هذا وقد شبهت الآية الكريمة المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ابتغاء مرضاته، وابتغاء التثبيت من أنفسهم ( مهما تكن إمكاناتهم المادية ) بالجنة من الأشجار المثمرة النامية علي الربوة المرتفعة تحت ظروف بيئية طيبة وفرت لها كل أسباب النماء والعطاء فأثمرت وأعطت بسخاء شديد إذا نزل عليها ماء المطر، وبسخاء أيضا إذا قل عليها المطر، فعطاؤها لايتوقف ولا ينقطع تحت مختلف الظروف وكذلك المؤمنون الذين ينطلقون من منطلق الإيمان الجازم بأن الله ( تعالي ) هو الرزاق ذو القوة المتين فيبذلون في سبيله سواء كثرت إمكاناتهم أو قلت، وذلك طلبا لمرضاته، وتثبيتا من أنفسهم لأن من وسائل تربية النفس الإنسانية إخراج المال في سبيل الله، وفي ذلك يقول ربنا ( تبارك وتعالي ) :
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير
( البقرة : ٢٦٥)
وفي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلي تفضيل زراعة أشجار الثمار في أراضي الروابي بصفة عامة، وهي أراض مسطحة مرتفعة، دون الجبل، وفوق التل ( يتراوح ارتفاعها بين ثلاثمائة وستمائة من الأمتار فوق مستوي سطح البحر )، وهذه حقيقة علمية أثبتتها التجارب علي مدي عقود متتالية، وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة علي نبي أمي ( صلي الله عليه وسلم ) في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين وكانت تعيش في صحراء جرداء قاحلة، لاتعرف الجنات ولا تعرف الأشجار المثمرة غير نخيل التمر وبعض الأعناب إلا في أماكن محدودة جدا منها، ومن هنا يأتي هذا الوصف القرآني شاهدا للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله ( صلي الله عليه وسلم ).
ولكونه الرسالة الخاتمة فقد تعهد ربنا ( تبارك وتعالي ) بحفظه بنفس لغة وحيه ( اللغة


الصفحة التالية
Icon