فائدة
قال الفخر :
فإن قيل : كيف عطف ﴿وَأَصَابَهُ﴾ على ﴿أَيَوَدُّ﴾ وكيف يجوز عطف الماضي على المستقبل.
قلنا الجواب عنه من وجوه الأول : قال صاحب " الكشاف" ﴿الواو﴾ للحال لا للعطف، ومعناه ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾ حال ما أصابه الكبر ثم إنها تحرق.
والجواب الثاني : قال الفرّاء : وددت أن يكون كذا ووددت لو كان كذا فحمل العطف على المعنى، كأنه قيل : أيود أحدكم إن كان له جنّة وأصابه الكبر.
ثم إنه تعالى زاد في بيان احتياج ذلك الإنسان إلى تلك الجنّة فقال :﴿وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء﴾ والمراد من ضعف الذرية : الضعف بسبب الصغر والطفولية، فيصير المعنى أن ذلك الإنسان كان في غاية الضعف والحاجة إلى تلك الجنة بسبب الشيخوخة والكبر، وله ذرية في غاية الضعف والحاجة بسبب الطفولية والصغر.
ثم قال تعالى :﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فاحترقت﴾ والاعصار ريح ترتفع وتستدير نحو السماء /كأنها عمود، وهي التي يسميها الناس الزوبعة، وهي ريح في غاية الشدة ومنه قول شاعر :
إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصارا.. والمقصود من هذا المثل بيان أنه يحصل في قلب هذا الإنسان من الغم والمحنة والحسرة والحيرة ما لا يعلمه إلا الله، فكذلك من أتى بالأعمال الحسنة، إلا أنه لا يقصد بها وجه الله، بل يقرن بها أموراً تخرجها عن كونها موجبة للثواب، فحين يقدم يوم القيامة وهو حينئذ في غاية الحاجة ونهاية العجز عن الاكتساب عظمت حسرته وتناهت حيرته، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [ الزمر : ٤٧ ] وقوله ﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً﴾ [ الفرقان : ٢٣ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٥٢ ـ ٥٣﴾


الصفحة التالية
Icon