أَعَادَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ التَّذْكِيرَ هُنَا بِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ مَزْجَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِآيَاتِ الْمَوَاعِظِ وَالْعِبَرِ وَالتَّوْحِيدِ ; لِيُقَرِّرَ أَمْرَ الْحُكْمِ وَيَنْصُرَ النُّفُوسَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ (ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ بِتَصَرُّفٍ) : قَدْ قُلْنَا مِرَارًا إِنَّ أَمْرَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشَقُّ الْأُمُورِ عَلَى النُّفُوسِ، لَا سِيَّمَا إِذَا اتَّسَعَتْ دَائِرَةُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا يُنْفَقُ فِيهِ، وَبَعُدَتْ نِسْبَةُ مَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ عَنِ الْمُنْفِقِ ; فَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ إِلَّا أَفْرَادًا مِنْ أَهْلِ الشُّحِّ الْمُطَاعِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِنْفَاقِ لَا يُوصَفُ صَاحِبُهُ بِالسَّخَاءِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ السَّخَاءِ سَهُلَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ بِقَدْرِ هَذَا النَّصِيبِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ فَإِنَّهُ يَرْتَاحُ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْجِيرَانِ. فَإِنْ زَادَ أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدِهِ فَأُمَّتِهِ فَالنَّاسِ كُلِّهِمْ وَذَلِكَ مُنْتَهَى الْجُودِ وَالسَّخَاءِ. وَإِنَّمَا يَصْعُبُ عَلَى الْمَرْءِ الْإِنْفَاقُ عَلَى مَنْفَعَةِ مَنْ يَبْعُدُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ فُطِرَ عَلَى أَلَّا يَعْمَلَ عَمَلًا لَا يَتَصَوَّرُ لِنَفْسِهِ فَائِدَةً مِنْهُ، وَأَكْثَرُ النُّفُوسِ جَاهِلَةٌ بِاتِّصَالِ مَنَافِعِهَا وَمَصَالِحِهَا بِالْبُعْدِ عَنْهَا فَلَا تَشْعُرُ بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ الْهَامَّةِ كَإِزَالَةِ الْجَهْلِ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَمُسَاعَدَةِ الْعَجَزَةِ وَالضُّعَفَاءِ وَتَرْقِيَةِ الصِّنَاعَاتِ وَإِنْشَاءِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَلَاجِئِ وَخِدْمَةِ الدِّينِ