ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى الْآيَةَ : قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لِبَيَانِ ثَوَابِ الْإِنْفَاقِ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ التَّنْوِيهِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ شُرِطَ لِهَذَا الثَّوَابِ تَرْكُ الْمَنِّ وَالْأَذَى ; فَأَمَّا الْمَنُّ فَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُحْسِنُ إِحْسَانَهُ لِمَنْ أَحْسَنَ هُوَ إِلَيْهِ يُظْهِرُ بِهِ تَفَضُّلَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْأَذَى فَهُوَ أَعَمُّ، وَمِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُحْسِنُ إِحْسَانَهُ لِغَيْرِ مَنْ أَحْسَنَ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِمَّا لَوْ ذَكَرَهُ لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ : الْمَنُّ أَنْ يَعْتَدَّ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِإِحْسَانِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَقًّا. وَالْأَذَى أَنْ يَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِ. قَالُوا : وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَنَّ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَتَوْسِيطُ كَلِمَةِ " لَا " لِلدَّلَالَةِ عَلَى شُمُولِ النَّفْيِ بِإِفَادَةِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى كَافٍ وَحْدَهُ لِإِحْبَاطِ الْعَمَلِ. وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَقَالُوا : إِنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ لِإِظْهَارِ عُلُوِّ رُتْبَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.


الصفحة التالية
Icon