وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّبْوَةِ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْجَيِّدَةُ التُّرْبَةُ بِحَيْثُ تَرْبُو بِنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَيْهَا وَتَنْمُو كَمَا قَالَ : فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ الْآيَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُ الْمَثَلِ مُقَابِلًا لِمَثَلِ الصَّفْوَانِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْمَطَرُ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ أَيْ فَكَانَ ثَمَرُهَا مِثْلَيْ مَا كَانَتْ تُثْمِرُ فِي الْعَادَةِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَالْأُكُلُ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ وَهُوَ - بِضَمَّتَيْنِ، وَتُسَكَّنُ الْكَافُ تَخْفِيفًا - وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ أَيْ فَالَّذِي يُصِيبُهَا طَلٌّ أَوْ فَطَلٌّ يَكْفِيهَا لِجَوْدَةِ تُرْبَتِهَا وَكَرَمِ مَنْبَتِهَا وَحُسْنِ مَوْقِعِهَا، وَالطَّلُّ : الْمَطَرُ الْخَفِيفُ الْمُسْتَدَقُّ الْقَطْرُ.
أَقُولُ : وَقَدْ عُرِفَ بِالِاخْتِبَارِ أَنَّ الْأَرْضَ الْجَيِّدَةَ فِي الْمَوَاقِعِ الْمُعْتَدِلَةِ يَكْفِيهَا الْقَلِيلُ مِنَ الرَّيِّ لِرُطُوبَةِ ثَرَاهَا وَجَوْدَةِ هَوَائِهَا ; فَإِنَّ الشَّجَرَ يَتَغَذَّى مِنَ الْهَوَاءِ كَمَا يَتَغَذَّى مِنَ الْأَرْضِ،
وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا، كَثُرَ مَا يُصِيبُهَا مِنَ الْمَطَرِ أَوْ قَلَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَرُهَا مُضَاعَفًا لَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا فَإِذًا لَا يَكُونُ طَالِبُهُ قَطُّ مَحْرُومًا.


الصفحة التالية
Icon