فالوجه : إما أن يكون التقديم هنا لِمجرد الاهتمام كتقديم يوم الندى في قول الحريري :
ما فيه من عيب سوى أنّه
يوم النَّدى قِسمته ضيزى...
بنفي كون هداهم حقاً على الرسول تهوينا للأمر عليه، فأما الدلالة على كون ذلك مفوّضاً إلى الله فمن قوله :﴿ولكن الله يهدي من يشاء﴾.
وإما أن يكون جرى على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل السامعين منزلة من يعتقد أنّ إيجاد الإيمان في الكفّار يكون بتكوين الله وبالإلجاء من المخلوق، فقُصر هداهم على عدم الكون في إلجاء المخلوقين إياهم لا على عدم الكون في أنّه على الله، فيلزم من ذلك أنّه على الله، أي مفوّض إليه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٧٠ ـ ٧١﴾
قوله تعالى :﴿ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء﴾
قال أبو السعود :
﴿ولكن الله يَهْدِى﴾ هدايةً خاصةً موصلةً إلى المطلوب حتماً ﴿مَن يَشَآء﴾ هدايتَه إلى ذلك ممن يتذكر بما ذُكّر ويتبعُ الحق ويختار الخيرَ، والجملةُ معترضة جيء بها على طريق تلوينِ الخطاب، وتوجيهه إلى رسول الله ﷺ مع الالتفات إلى الغَيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بالمكلفين مبالغةً في حملهم على الامتثال، فإن الإخبارَ بعدم وجوب تدارُك أمرِهم على النبي ﷺ مُؤْذنٌ بوجوبه عليهم حسبما ينطِق به ما بعده من الشرطية. وقيل : لما كثُر فقراءُ المسلمين نهى رسولُ الله ﷺ المسلمين عن التصدق على المشركين كي تحمِلَهم الحاجة على الدخول في الإسلام فنزلت. أي ليس عليك هُدى مَنْ خالفك حتى تمنعَهم الصدقةَ لأجل دخولهم في الإسلام فلا التفاتَ حينئذٍ في الكلام، وضميرُ الغيبة للمعهودين من فقراءِ المشركين بل فيه تلوينٌ فقط. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ١ صـ ٢٦٤﴾
وقال ابن عاشور :


الصفحة التالية
Icon