ثم إن الشرع قد تصرّف في هذا الإطلاق فقصره على بعض موارده ؛ فمرّة أطلقه على كسب الحرام ؛ كما قال الله تعالى في اليهود :﴿وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ﴾ [ النساء : ١٦١ ].
ولم يرد به الرّبا الشرعيّ الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام ؛ كما قال تعالى :﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [ المائدة : ٤٢ ] يعني به المال الحرام من الرّشا، وما استحلوه من أموال الأُمِّيِّين حيث قالوا :﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ﴾ [ آل عمران : ٧٥ ].
وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأيّ وجه اكتُسب.
والربا الذي عليه عُرف الشرع شيئان : تحريم النَّسَاء، والتفاضل في العقود وفي المطعومات على ما نبيّنه.
وغالبه ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم : أتقضي أُم تُرْبِي ؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه.
وهذا كله محرّم باتفاق الأُمة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٤٨﴾
وقال ابن عاشور :
الأكل في الحقيقة ابتلاعُ الطعام، ثم أطلق على الانتفاع بالشيء وأخذه بحرص، وأصله تمثيل، ثم صار حقيقة عرفية فقالوا : أكل مال الناس ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى﴾ [ النساء : ١٠ ] ﴿ألا تأكلوا أموالكم﴾ [ الصافات : ٩١، ٩٢ ]، ولا يختصّ بأخذ الباطل ففي القرآن ﴿فإن طبْن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً﴾ [ النساء : ٤ ].
والربا : اسم على وزن فِعَل بكسر الفاء وفتح العين لعلّهم خفّفوه من الرباء بالمد فصيّروه اسم مصدر، لفعل رَبَا الشيء يربو رَبْواً بسكون الباء على القياس كما في " الصحاح" وبضم الراء والباء كعُلُو وربّاء بكسر الراء وبالمد مثل الرِّماء إذا زاد قال تعالى :﴿فلا يربو عند الله﴾ [ الروم : ٣٩ ]، وقال :﴿اهتَزّتْ ورَبَتْ﴾ [ الحج : ٥ ]، ولكونه من ذوات الواو ثني على رِبَواننِ.