وأما جمهور المجتهدين فقد اتفقوا على تحريم الربا في القسمين، أما القسم الأول فبالقرآن، وأما ربا النقد فبالخبر، ثم إن الخبر دل على حرمة ربا النقد في الأشياء الستة، ثم اختلفوا فقال عامة الفقهاء : حرمة التفاضل غير مقصورة على هذه الستة، بل ثابتة في غيرها، وقال نفاة القياس : بل الحرمة مقصورة عليها وحجة هؤلاء من وجوه :
الحجة الأولى : أن الشارع خص من المكيلات والمطعومات والأقوات أشياء أربعة، فلو كان الحكم ثابتاً في كل المكيلات أو في كل المطعومات لقال : لا تبيعوا المكيل بالمكيل متفاضلاً، أو قال : لا تبيعوا المطعوم بالمطعوم متفاضلاً، فإن هذا الكلام يكون أشد اختصاراً، وأكثرر فائدة، فلما لم يقل ذلك بل عد الأربعة، علمنا أن حكم الحرمة مقصور عليها فقط.
الحجة الثانية : أنا بينا في قوله تعالى :﴿وَأَحَلَّ الله البيع﴾ يقتضي حل ربا النقد فأنتم أخرجتم ربا النقد من تحت هذا العموم بخبر الواحد في الأشياء الستة، ثم أثبتم الحرمة في غيرها بالقياس عليها، فكان هذا تخصيصاً لعموم نص القرآن في الأشياء الستة بخبر الواحد، وفي غيرها بالقياس على الأشياء الستة، ثبت الحكم فيها بخبر الواحد، ومثل هذا القياس يكون أضعف بكثير من خبر الواحد، وخبر الواحد أضعف من ظاهر القرآن، فكان هذا ترجيحاً للأضعف على الأقوى، وأنه غير جائز.


الصفحة التالية
Icon