ثم قال : وأما صرع الأخلاط فهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعاً غير تام. وسببه : خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ، سدة غير تامة. فيمتنع نفوذ الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذاً ما، من غير انقطاع بالكلية. وقد يكون لأسباب أخر : كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح. أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء. أو كيفية لاذعة فينقبض الدماغ لدفع المؤذي فيتبعه تشنج في جميع الأعضاء. ولا يمكن أن يبقى الْإِنْسَاْن معه منتصباً بل يسقط ويظهر في فيه الزبد غالباً. وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادة باعتبار وقت وجود المؤلم خاصة. وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيما إن جاوز في السن خمساً وعشرين سنة. وهذه العلة في دماغه وخاصة في جوهره. فإن صرع هؤلاء يكون لازماً، قال بقراط : إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا. إذا عرف هذا، فهذه المرأة التي جاء الحديث أنها كانت تصرع وتنكشف، يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع. فوعدها النبي ﷺ الجنة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها أن لا تنكشف. وخيّرها بين الصبر والجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان. فاختارت الصبر والجنة. وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي. وإن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء. وإن تأثيره وفعله وتأثير الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها. وقد جربنا هذا مراراً نحن وغيرنا. وعقلاء الأطباء معترفون بأن في فعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب. وما على الصناعة الطبية أضر من زنادقة القوم وسفلتهم وجهالهم. والظاهر : أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع. ويجوز أن يكون من جهة الأرواح. ويكون رسول الله ﷺ قد خيَّرها بين الصبر على ذلك مع الجنة، وبين


الصفحة التالية
Icon