ولكن إذا كان السائد هو أن يريد صاحب النعمة في الدنيا أن يأخذ بالاستحواذ على كل عائد نعمته، ولا يراعي حق الله في مهمة النعمة، ولا تتعدى هذه النعمة إلى غيره، فالمحروم عندما يرى ذلك يتمنى أن تزول النعمة عن صاحبها وينظر إليها بحسد. ويشيع الحقد ومعه الضغينة، ويجد الفساد فرصة كاملة للشيوع في المجتمع كله. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يسيطر على الاقتصاد عناصر ثلاثة :
العنصر الأول : الرفد والعطاء الخالص، فيجد الفقير المعدم غنيا يعطيه، لا بقانون الحق المعلوم المفروض في الزكاة، ولكن بقانون الحق غير المعلوم في الصدقة، هذا هو الرفد.
العنصر الثاني : يكون بحق الفرض وهو الزكاة.
العنصر الثالث : هو بحق القرض وهو المداينة.
إذن فأمور ثلاثة هي التي تسيطر على الاقتصاد الإسلامي : إما تطوع بصدقة، وإما أداء لمفروض من زكاة، وإما مداينة بالقرض الحسن، وذلك هو ما يمكن أن ينشأ عليه النظام الاقتصادي في الإسلام. ولننظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى حين عرض هذه المسألة وبشع هيئة الذين يأكلون الربا بأنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه ويصرعه الشيطان من المس. لماذا ؟ لأن الحق قال فيهم :" ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا" فهل الكلام في البيع، أو الكلام في الربا ؟ إن الكلام في الربا. وكان المنطق يقتضي أن يقول :" الربا كالبيع"، فما الذي جعلهم يعكسون الأمر ؟
إن النص القرآني هنا يوحي إلى التخبط حتى في القضية التي يريدون أن يحتجوا بها. كأنهم قالوا : مادمت تريد أن تحرم الربا، فالبيع مثل الربا، وعليك تحريم البيع أيضا. وكان القياس أن يقولوا :" إنما الربا مثل البيع"، لكن الحق سبحانه أراد أن يوضح لنا تخبطهم فجاء على لسانهم : إنما البيع مثل الربا فإن كنتم قد حرمتم الربا فحرموا البيع، وإن كنتم قد حللتم البيع فحللوا الربا. إنهم يريدون قياسا إما بالطرد، وإما بالعكس. فقال الله القول الفصل الحاسم :