الصفة الرابعة لهؤلاء الفقراء : قوله تعالى :﴿تَعْرِفُهُم بسيماهم﴾ السيما والسيميا العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من السمة التي هي العلامة، قلبت الواو إلى موضع العين قال الواحدي : وزنه يكون فعلاً، كما قالوا : له جاه عند الناس أي وجه، وقال قوم : السيما الارتفاع لأنها علامة وضعت للظهور، قال مجاهد ﴿سيماهم﴾ التخشع والتواضع، قال الربيع والسدي : أثر الجهد من الفقر والحاجة وقال الضحاك صفرة ألوانهم من الجوع وقال ابن زيد رثاثة ثيابهم والجوع خفي وعندي أن كل ذلك فيه نظر لأن كل ما ذكروه علامات دالة على حصول الفقر وذلك يناقضه قوله ﴿يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَاء مِنَ التعفف﴾ بل المراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعاً في قلوب الخلق، كل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم وذلك إدراكات روحانية، لا علات جسمانية، ألا ترى أن الأسد إذا مرّ هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة، وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية، فكذا هاهنا، ومن هذا الباب آثار الخشوع في الصلاة، كما قال تعالى :
﴿سيماهم فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود﴾ [ الفتح : ٢٩ ] وأيضاً ظهور آثار الفكر، روي أنهم كانوا يقومون الليل للتهجد ويحتطبون بالنهار للتعفف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٧١﴾
وقال القرطبى :
وقد اختلف العلماء في تعيينها هنا ؛ فقال مجاهد : هي الخشوع والتواضع.
السُّدِّي : أثر الفاقة والحاجة في وجوههم وقلّة النَّعمة.
ابن زيد : رَثَاثة ثيابهم.
وقال قوم وحكاه مَكِّيّ : أثر السجود.
ابن عطيّة : وهذا حسن، وذلك لأنهم كانوا متفرّغين متوَكلِّين لا شغل لهم في الأغلب إلاَّ الصَّلاة، فكان أثر السجود عليهم.


الصفحة التالية