الثانية : قال القاشاني عليه الرحمة قبل ذلك : آكل الربا أسوأ حالاً من جميع مرتكبي الكبائر. فإن كل مكتسب له توكل ما فيه كسبه، قليلاً كان أو كثيراً. كالتاجر والزارع والمحترف. إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولن تتعين لهم قبل الاكتساب. فهم على غير معلوم في الحقيقة. كما قال رسول الله ﷺ :< أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم >. وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه. سواء ربح الآخذ أو خسر. فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه. لا توكل له أصلاً. فوكله الله تعالى إلى نفسه وعقله. وأخرجه من حفظه وكلاءته. فاختطفه الجن وخبلته. فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل، فيكون كالمصروع الذي مسّه الشيطان فتخبطه، لا يهتدي إلى مقصد.
الثالثة : قال بعض العلماء العمرانيين : يشترط لجواز التموّل أن يكون من وجه مشروع كما في مقابلة عمل أو معاوضة. وأن لا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير. ولذا حرمت الشرائع السماوية كلها. وكذلك الحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية أكل الربا، قصداً لحفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية، لأن الربا هو كسب بدون مقابل ماديّ ؛ ففيه معنى الغصب. وبدون عمل، ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق. وبدون تعرض لخسائر طبيعية، كالتجارة والزراعة والأملاك. ومن المشاهد : أن بالربا تربو الثروات فيختل التساوي بين الناس.