اعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن من انتهى عن الربا فله ما سلف فقد كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة القوم، فقال تعالى في هذه الآية ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا﴾ وبين به أن ذلك إذا كان عليهم ولم يقبض، فالزيادة تحرم، وليس لهم أن يأخذوا إلا رؤوس أموالهم، وإنما شدد تعالى في ذلك، لأن من انتظر مدة طويلة في حلول الأجل، ثم حضر الوقت وظن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له، فيحتاج في منعه عنه إلى تشديد عظيم، فقال :﴿اتقوا الله﴾ واتقاؤه ما نهى عنه ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا﴾ يعني إن كنتم قد قبضتم شيئاً فيعفو عنه، وإن لم تقبضوه، أو لم تقبضوا بعضه، فذلك الذي لم تقبضوه كلا كان، أو بعضاً، فإنه محرم قبضه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٨٦﴾
وقال ابن عاشور :
قوله :﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا﴾ إفضاء إلى التشريع بعد أن قُدم أمامَه من الموعظة ما هيّأ النفوس إليه.
فإن كان قوله :﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] من كلام الذين قالوا :﴿إنما البيع مثل الربا﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] فظاهر، وإن كان من كلام الله تعالى فهو تشريع وقع في سياق الرد، فلم يكتف بتشريع غير مقصود ولذا احتيج إلى هذا التشريع الصريح المقصود، وما تقدم كلّه وصف لحال أهل الجاهلية وما بقي منه في صدر الإسلام قبل التحريم.
وأمروا بتقوى الله قبل الأمر بترك الربا لأنّ تقْوَى الله هي أصل الامتثال والاجتناب ؛ ولأن ترك الربا من جملتها.
فهو كالأمرِ بطريق برهاني.
ومعنى ﴿وذروا ما بقي من الربوا﴾ الآية اتركوا ما بقي في ذمم الذين عاملتموهم بالربا، فهذا مقابل قوله :" فله ما سلف"، فكان الذي سلفَ قبضُه قبل نزول الآية معفوا عنه وما لم يقبض مأموراً بتركه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٩٣﴾
فائدة
قال الفخر :