ولما أرشد إلى تخير الكاتب تقدم إليه بالنهي تقديماً لدرء المفاسد ثم الأمر فقال :﴿ولا يأب كاتب أن يكتب﴾ أي ما ندب إليه من ذلك ﴿كما علمه الله﴾ أي لأجل الذي هو غني عنه وعن غيره من خلقه شكراً له على تلك النعمة وكتابة مثل الكتابة التي علمها الله سبحانه وتعالى لا ينقص عنها شيئاً ﴿فليكتب﴾ وفي ذلك تنبيه على ما في بذل الجهد في النصيحة من المشقة.
ولما كان ذلك وكان لا بد فيه من ممل بين من يصح إملاؤه للمكتوب فقال :﴿وليملل﴾ من الإملال وهو إلقاء ما تشتمل عليه الضمائر على اللسان قولاً وعلى الكتاب رسماً - قاله الحرالي ﴿الذي عليه الحق﴾ ليشهد عليه المستملي ومن يحضره.
ولما كانت الأنفس مجبولة على محبة الاستئثار على الغير حذرها مما لا يحل من ذلك فقال :﴿وليتق الله﴾ فعبر بالاسم الأعظم ليكون أزجر للمأمور ثم قال :﴿ربه﴾ تذكيراً بأنه لإحسانه لا يأمر إلا بخير،
وترجية للعوض في ذلك إذا أدى فيه الأمانة في الكم والكيف من الأجل وغيره ؛ وأكد ذلك بقوله :﴿ولا يبخس﴾ من البخس وهو أسوأ النقص الذي لا تسمح به الأنفس لبعده عن محل السماح إلى وقوعه في حد الضيم ﴿منه شيئاً ﴾.
ولما كان هذا المملي قد يكون لاغي العبارة وكان الإملاء لا يقدر عليه كل أحد قال سبحانه وتعالى :﴿فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً﴾ فلا يعتبر إقراره لضعف رأيه ونظره ونقص حظه من حكمة الدنيا ﴿أو ضعيفاً﴾ عن الإملاء في ذلك الوقت لمرض أو غيره من صبا أو جنون أو هرم من الضعف وهو وهن القوى حساً أو معنى ﴿أو لا يستطيع أن يمل هو﴾ كعيّ أو حياء أو عجمة ونحوه ﴿فليملل وليه﴾ القائم لمصالحه من أب أو وصي أو حاكم أو ترجمان أو وكيل ﴿بالعدل﴾ فلا يحيف عليه ولا على ذي الحق.
قال الحرالي : فجعل لسان الولي لسان المولى عليه،