والضميران في قوله : وليتق }، وقوله :﴿ ولا يبخس منه ﴾ يحتمل أن يعودا إلى الذي عليه الحق لأنّه أقرب مذكور من الضميرين، أي لا يُنقصْ ربّ الدين شيئاً حينَ الإملاء، قاله سعيد بن جبير، وهو على هذا أمر للمدين بأن يقرّ بجميع الدين ولا يغبن الدائن.
وعندي أنّ هذا بعيد إذ لا فائدة بهذه الوصاية ؛ فلو أخفى المدين شيئاً أو غبن لأنكر عليه ربُّ الديْن لأنّ الكتابة يحضرها كلاهما لقوله تعالى :﴿ وليكتب بينكم ﴾.
ويحتمل أن يعود الضميران إلى ﴿ كاتب ﴾ بقرينة أنّ هذا النهي أشدّ تعلّقاً بالكاتب ؛ فإنّه الذي قد يغفل عن بعض ما وقع إملاؤه عليه.
والضمير في قوله :﴿ منه ﴾ عائد إلى الحق وهو حق لكِلاَ المتداينين، فإذا بخس منه شيئاً أضرّ بأحدهما لا محالة، وهذا إيجاز بديع.
والبخْس فسره أهل اللغة بالنقص ويظهر أنّه أخصّ من النقص، فهو نقص بإخفاء.
وأقربُ الألفاظ إلى معناه الغبن، قال ابن العربي في الأحكام في سورة الأعراف :" البخس في لسان العرب هو النقص بالتعْييب والتزهِيدِ، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيّد في الكيل أو النقصان منه" أي عن غفلة من صاحب الحق، وهذا هو المناسب في معنى الآية لأنّ المراد النهي عن النقص من الحق عن غفلة من صاحبه، ولذلك نُهي الشاهد أو المدين أو الدائن، وسيجيء في سورة الأعراف عند قوله تعالى :﴿ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ﴾ [ الأعراف : ٨٥ ].
وقوله :﴿ فإن كان عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ﴾ السفيه هو مختلّ العقل، وتقدم بيانه عند قوله تعالى :﴿ سيقول السفهاء من الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٢ ].
والضعيف الصغير، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ وله ذرية ضعفاء ﴾ [ البقرة : ٢٦٦ ].
والذي لا يستطيع أن يملّ هو العاجز كمن به بَكَم وعمًى وصمَمٌ جميعاً.