إدخال حرف ﴿أَوْ﴾ بين هذه الألفاظ الثلاثة، أعني السفيه، والضعيف، ومن لا يستطيع أن يمل يقتضي كونها أموراً متغايرة، لأن معناه أن الذي عليه الحق إذا كان موصوفاً بإحدى هذه الصفات الثلاث فليملل وليه بالعدل، فيجب في الثلاثة أن تكون متغايرة، وإذا ثبت هذا وجب حمل السفيه على الضعيف الرأي ناقص العقل من البالغين، والضعيف على الصغير والمجنون والشيخ الخرف، وهم الذين فقدوا العقل بالكلية، والذي لا يستطيع لأن يمل من يضعف لسانه عن الإملاء لخرس، أو جهله بماله وما عليه، فكل هؤلاء لا يصح منهم الإملاء والإقرار، فلا بد من أن يقوم غيرهم مقامهم، فقال تعالى :﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل﴾ والمراد ولي كل واحد من هؤلاء الثلاثة، لأن ولي المحجور السفيه، وولي الصبي : هو الذي يقر عليه بالدين، كما يقرب بسائر أموره، وهذا هو القول الصحيح، وقال ابن عباس ومقاتل والربيع : المراد بوليه ولي الدين يعني أن الذي له الدين يملي وهذا بعيد، لأنه كيف يقبل قول المدعي، وإن كان قوله معتبراً، فأي حاجة بنا إلى الكتابة والإشهاد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٩٨﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ﴾ قال بعض الناس : أي صغيراً.
وهو خطأ فإنّ السفيه قد يكون كبيراً على ما يأتي بيانه.
﴿ أَوْ ضَعِيفاً ﴾ أي كبيراً لا عقل له.
﴿ أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ ﴾ جعل الله الذي عليه الحق أربعة أصناف : مستقل بنفسه يُمِلّ، وثلاثة أصناف لا يُمِلُّون وتقع نوازلهم في كل زَمَن، وكون الحقّ يترتب لهم في جهات سوى المعاملات كالمواريث إذا قُسِمَت وغير ذلك، وهم السَّفِيهُ والضّعيفُ والذي لا يستطيع أن يُمِلّ.
فالسفيه المُهَلْهَلُ الرأي في المال الذي لا يُحسن الأخذَ لنفسه ولا الإعطاء منها، مشَبّه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج.


الصفحة التالية
Icon