قال الحرالي : فقبل الرسول هذا الحساب الأول العاجل الميسر ليستوفي أمره منه وحظه في دنياه،
قال ﷺ لما قالت له فاطمة رضي الله تعالى عنها عند موته : واكرباه! :" لا كرب على أبيك بعد اليوم " وقال ﷺ فيما رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنه " ما أوذي أحد في الله ما أوذيت " فنال حظه من حكمة ربه في دنياه حتى كان يوعك كما يوعك عشرة رجال،
وما شبع من خبز بر ثلاثاً تباعاً عاجلاً حتى لقي الله ؛ وكذلك المؤمن لا راحة له دون لقاء ربه ولا سجن عليه بعد خروجه من دنياه،
" الحمى حظ كل مؤمن من النار " انتهى.
ولما أخبر عن الرأس أخبر عمن يليه فقال :﴿والمؤمنون﴾ معبراً بالوصف الدال على الرسوخ أي آمنوا بما ظهر لهم من المعجزة التي أثبتت أنه كلام الله سبحانه وتعالى بما دلت على أن الآتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما أجمل فصل فقال مبتدئاً :﴿كل﴾ أي منهم.
قال الحرالي : فجمعهم في كلية كأن قلوبهم قلب واحد لم يختلفوا،
لأن القبول واحد والرد يقع مختلفاً - انتهى.
ثم أخبر عن ذلك المبتدأ بقوله :﴿آمن بالله﴾ أي لما يستحقه من ذلك لذاته لما له من الإحاطة بالكمال ﴿وملائكته﴾ الذين منهم النازلون بالكتب،
لأن الإيمان بالمنزل يستلزم ذلك ﴿وكتبه﴾ أي كلها ﴿ورسله﴾ كلهم،
من البشر كانوا أو من الملائكة،
فإن فيما أنزل إليه ﷺ الإخبار بذلك.
قال الحرالي : انقياداً لامتثال من البشر.
ولما كان في الناس من يؤمن ببعض الأنبياء ويكفر ببعض قال مؤكداً لما أفهمته صيغة الجمع المضاف من الاستغراق أي قالوا :﴿لا نفرق﴾ كما فعل أهل الكتاب وعبر بما يشمل الاثنين فما فوقهما فقال :﴿بين أحد﴾ أي واحد وغيره ﴿من رسله﴾ أي لا نجعل أحداً منهم على صفة الفرقة البليغة من صاحبه في ذلك بل نؤمن بكل واحد منهم،


الصفحة التالية
Icon