قوله تعالى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : هذا إذا كنتم حضوراً يسهل عليكم إحضار الكاتب والشاهد، عطف عليه قوله :﴿وإن كنتم﴾ ولما كان الإنسان في السفر يكون مستجمع القوى كامل الآلات تام الأهبة عبر بأداة الاستعلاء فقال :﴿على سفر﴾ يعوز مثله إحضار كاتب ﴿ولم تجدوا كاتباً فرهان﴾ أي فيغنيكم عن الكتب رهن يكون بدلاً عنه، وقرىء : فرهان، وكلاهما جمع رهن - بالفتح والإسكان،
وهو التوثقة بالشيء مما يعادله بوجه ما.
وأشار بأن بدليتها لا تفيد إلا بما وصفها من قوله :﴿مقبوضة﴾ أي بيد رب الدين وثيقة لدينه.
ولما كان التقدير : هذا إن تخوفتم من المداين،
عطف عليه قوله :﴿فإن أمن﴾ ولما كان الائتمان تارة يكون من الدائن وتارة يكون من الراهن قال :﴿بعضكم بعضاً﴾ أي فلم تفعلوا شيئاً من ذلك ﴿فليؤد﴾ أي يعط،
من الأداء وهو الإتيان بالشيء لميقاته.
ولما كان المراد التذكير بالإحسان بالائتمان ليشكر ولم يتعلق غرض بكونه من محسن معين بني للمفعول قوله :﴿الذي اؤتمن﴾ من الائتمان وهو طلب الأمانة وهو إيداع الشيء لحفيظته حتى يعاد إلى المؤتمن - قاله الحرالي :﴿أمانته﴾ وهو الدين الذي ترك المؤتمن التوثق به من المدين إحساناً إليه وحسن ظن به،
وكذا إن كان الائتمان من جهة الراهن ﴿وليتق الله﴾ المستجمع لصفات العظمة ﴿ربه﴾ أي الذي رباه في نعمه وصانه من بأسه ونقمه وعطّف عليه قلب من أعطاه وائتمنه ليؤدي الحق على الصفة التي أخذه بها فلا يخن في شيء مما اؤتمن عليه.


الصفحة التالية
Icon