قال الحرالي : من الإخفاء وهو تغييب الشيء وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته ﴿يحاسبكم﴾ من المحاسبة مفاعلة من الحساب والحسب، وهو استيفاء الأعداد فيما للمرء وعليه من الأعمال الظاهرة والباطنة يعني ليجازي بها ﴿به الله﴾ أي بذكره لكم وأنتم تعلمون ما له من صفات الكمال.
قال الحرالي : وفي ضمن هذا الخطاب لأولي الفهم إنباء بأن الله سبحانه وتعالى إذا عاجل العبد بالحساب بحكم ما يفهمه ترتيب الحساب على وقوع العمل حيث لم يكن فيحاسبكم مثلاً فقد أعظم اللطف به،
لأن من حوسب بعمله عاجلاً في الدنيا خف جزاؤه عليه حيث يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى بالقلم يسقط من يد الكاتب،
فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه في دنياه حتى يموت على طهارة من ذنوبه وفراغ من حسابه كالذي يتعاهد بدنه وثوبه بالتنظيف فلا يتسخ ولا يدرن ولا يزال نظيفاً - انتهى وفيه تصرف.
ولما كان حقيقة المحاسبة ذكر الشيء والجزاء عليه وكان المراد بها هنا العرض وهو الذكر فقط بدلالة التضمن دل عليه بقوله مقدماً الترجئة معادلة لما أفهمه صدر الآية من التخويف :﴿فيغفر لمن يشاء﴾ أي فلا يجازيه على ذلك كبيرة كان أو لا ﴿ويعذب من يشاء﴾ بتكفير أو جزاء.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بهذا أنه مطلق التصرف ختم الكلام دلالة على ذلك بقوله مصرحاً بما لزم تمام علمه من كمال قدرته :﴿والله﴾ أي الذي لا أمر لأحد معه ﴿على كل شيء قدير﴾ أي ليس هو كملوك الدنيا يحال بينهم وبين بعض ما يريدون بالشفاعة وغيرها.
قال الحرالي : فسلب بهذه الآية القدرة عن جميع الخلق - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٥٥١ ـ ٥٥٢﴾


الصفحة التالية