وهذا دليل على عدم وقوع التكليف بما فوق الطاقة في أديان الله تعالى لعموم ( نفساً ) في سياق النفي، لأنّ الله تعالى ما شرع التكليف إلاّ للعمل واستقامة أحوال الخلق، فلا يكلّفهم ما لا يطيقون فعله، وما ورد من ذلك فهو في سياق العقوبات، هذا حكم عام في الشرائع كلّها.
وامتازت شريعة الإسلام باليسر والرفق، بشهادة قوله تعالى :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [ الحج : ٧٨ ] وقوله :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾، ولذلك كان من قواعد الفقه العامة " المشقّةُ تجلب التيسير".
وكانت المشقة مظنّة الرخصة، وضبط المشاقّ المسقطة للعبادة مذكور في الأصول، وقد أشبعت القول فيه في كتابي المسمّى " مقاصد الشريعة" وما ورد من التكاليف الشاقّة فأمر نادر، في أوقات الضرورة، كتكليف الواحد من المسلمين بالثباتِ للعشرة من المشركين، في أول الإسلام، وقلّة المسلمين.
وهذه المسألة هي المعنونة في كتب الأصوليين بمسألة التكليف بالمحَال، والتكليف بما لا يطاق، وهي مسألة أرنَّت بها كتب الأشاعرة والمعتزلة، واختلفوا فيها اختلافاً شهيراً، دعا إليه التزام الفريقين للوازم أصولهم وقواعدهم فقالت الأشاعرة : يجوز على الله تكليف ما لا يطاق بناء على قاعدتهم في نفي وجوب الصلاح على الله، وأنّ ما يصدر منه تعالى كلّه عدل لأنّه مالك العباد، وقاعدتهم في أنّه تعالى يخلق ما يشاء، وعلى قاعدتهم في أنّ ثمرة التكليف لا تختص بقصد الامتثال بل قد تكون لقصد التعجيز والابتلاء وجعل الامتثال علامة على السعادة، وانتفائه علامة على الشقاوة، وترتّب الإثم لأنّ لله تعالى إثابَة العاصي، وتعذيبَ المطيع، فبالأوْلى تعذيب من يأمره بفعل مستحيل، أو متعذّر، واستدلّوا على ذلك بحديث تكليف المصوّر بنفخ الروحِ في الصورة وما هو بنافخ، وتكليف الكاذب في الرؤيا بالعقد بين شعيرتين وما هو بفاعل.