ثم اختلف المجوّزون : هل هو واقع، وقد حكى القرطبي الإجماع على عدم الوقوع وهو الصواب في الحكاية، وقال إمام الحرمين في " البرهان" :" والتكاليف كلّها عند الأشعري من التكليف بما لا يطاق، لأنّ المأمورات كلّها متعلّقة بأفعال هي عند الأشعري غير مقدورة للمكلّف، فهو مأمور بالصلاة وهو لا يقدر عليها، وإنّما يُقْدِره الله تعالى عند إرادة الفعل مع سلامة الأسباب والآلات" وما ألزمُه إمام الحرمين الأشعريّ إلزام باطل ؛ لأنّ المراد بما لا يطاق ما لا تتعلّق به قدرة العبد الظاهرة، المعبّر عنها بالكسب، للفرق البيِّن بين الأحوال الظاهرة، وبين الحقائق المستورة في نفس الأمر، وكذلك لا معنى لإدخال ما عَلِمَ الله عدمَ وقوعه، كأمر أبي جهل بالإيمان مع عِلم الله بأنّه لا يؤمن، في مسألة التكليف بما لا يطاق، أو بالمحال ؛ لأنّ علم الله ذلك لم يطّلع عليه أحد.
وأورد عليه أنّ النبي ﷺ دعا أبا لهب إلى الإسلام وقد علم الله أنّه لا يسلم لقوله تعالى :﴿ تبت يدا أبي لهب وتب إلى قوله سيصلى ناراً ذات لهب ﴾ [ المسد : ١، ٣ ] فقد يقال : إنّه بعد نزول هذه الآية لم يخاطَب بطلب الإيمان وإنّما خوطب قبل ذلك، وبذلك نسلم من أن نقول : إنّه خارج عن الدعوة، ومن أن نقول : إنّه مخاطب بعد نزول الآية.
وهذه الآية تقتضي عدم وقوع التكليف بما لا يطاق في الشريعة، بحسب المتعارف في إرادة البشر وقُدَرِهم، دون ما هو بحسب سرّ القَدَر، والبحث عن حقيقة القدرة الحادثة، نعم يؤخذ منها الرد على الجبرية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٣٥ ـ ١٣٧﴾
قوله تعالى :﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت﴾
فصل
قال الفخر :
اختلفوا في أنه هل في اللغة فرق بين الكسب والاكتساب، قال الواحدي رحمه الله : الصحيح عند أهل اللغة أن الكسب والاكتساب واحد لا فرق بينهما، قال ذو الرمة :