وتقديم المجروريْن في الآية : لقصد الاختصاص، أي لا يلحق غيرها شيء ولا يلحقها شيء من فعل غيرها، وكأنّ هذا إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية : من اعتقاد شفاعة الآلهة لهم عند الله.
وتمسّك بهذه الآية من رأى أنّ الأعمال لا تقبل النيابة في الثواب والعقاب، إلاّ إذا كان للفاعل أثر في عمل غيره ؛ ففي الحديث :" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث : صدقة جارية وعلم بثّه في صدور الرجال، وولد صالح يدعو له " وفي الحديث :" ما من نفس تُقتل ظلماً إلاّ كان على ابن آدم الأول كِفل من دمها ذلك لأنّه أول من سنّ القتل " وفي الحديث :" من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنة سيِّئَة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٣٧ ـ ١٣٩﴾
فائدة
قال القرطبى :
في هذه الآية دليل على صِحّة إطلاق أئمتنا على أفعال العباد كَسْباً وَاكْتِساباً ؛ ولذلك لم يطلقوا على ذلك لا خَلَق ولا خَالِق ؛ خلافاً لمن أطلق ذلك من مُجْترِئَة المبتدعة.
ومن أطلق من أئمتنا ذلك على العبد، وأنه فاعل فبالمجاز المحْضِ.
وقال المَهْدَوِيّ وغيره : وقيل معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.
قال ابن عطية : وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الآية. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٤٣١﴾
فائدة
قال ابن جزى :
جاءت العبارة بلها في الحسنات لأنها مما ينتفع العبد به وجاءت بعليها في السيئات لأنها مما يضر بالعبد وإنما قال في الحسنات كسبت وفي الشر اكتسبت لأن في الاكتساب ضرب من الاعتمال والمعالجة حسبما تقتضيه صيغة افتعل فالسيئات فاعلها يتكلف مخالفة أمر الله ويتعداه بخلاف الحسنات فإنه فيها على الجادة من غير تكلف أو لأن السيئات يجد في فعلها لميل النفس إليها فجعلت لذلك مكتسبة ولما لم يكن الإنسان في الحسنات كذلك وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال. أ هـ ﴿التسهيل حـ ١ صـ ٩٩﴾


الصفحة التالية
Icon