والمباهلة الملاعنة أي ليدع كل منها ربه بأن يلعن الكاذب في قوله، فقال له وقد نجران انظرنا وقتا مناسبا كي ننظر في الأمر ونتداول بيننا ونرجع إليك، فأمهلهم، فذهبوا إلى مقرهم وتذاكروا بينهم وقالوا فقد عرفنا من هذه الآيات وما تقدمها أنه نبي مرسل، وأنا إن باهلناه هلكنا، فأجمع رأيهم على عدم المباهلة والانصراف إلى بلدهم، فجاءوا إليه من الغد فإذا هو محتضن الحسن والحسين وبيده فاطمة وعلي عليهما السلام خلفه وهو يقول لهم إذا دعوت فأمنوا، فقال لهم أسقفهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا لأزاله، واللّه إن باهلتموه فلا يبقى على وجه الأرض نصراني، فأقدموا عليه وقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباء لك وتتركنا على ديننا، فقال إن أبيتم فأنا لا اضطركم على المباهلة ولكن أريد منكم أن تسلموا، قالوا لا نسلم، فقال أنا جزكم، قالوا لا طاقة لنا يحربكم ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا ونؤدي لك ألف حلّة في صفر وألف حلة في رجب وثلاثة وثلاثين درعا وثلاثة وثلاثين بعيرا وأربعا وثلاثين فرسا، فرضي منهم وتركهم، لأنه لم يؤمر بقتالهم إذا رضخوا للجزية، ولم يؤمر بحملهم على الإيمان به.
حكي أن بعض العلماء أسر في بلاد الروم فباحثهم في عبادة عيسى عليه السلام، قالوا نعبده لأنه لا أب له، فقال لهم آدم لا أب له ولا أم فهو أولى بالعبادة، قالوا لم يكن آدم يحيي الموتى، فقال إذا حزقيل أولى لأنه أحيا أربعة آلاف (راجع الآية ٢٤٣ من سورة البقرة المارة لتقف على قصتهم) وعيسى لم يحي إلا أربعة، قالوا لم يكن يبرىء الأكمه والأبرص قال إذا جرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سليما، قالوا لم يرفع إلى السماء، قال فأدريس أولى لأنه رفع قبله، فلم يعتبروا، ومن يضلل اللّه فما له من هاد.