وقد تكلمنا من قبل عن التوراة، وقلنا : إن بعضاً من العلماء حين يتعرض للفظ من الألفاظ فهو يحاول أن يجعله من اللغة العربية، ويحاول أن يعثر له على وزن من الأوزان العربية، وأن يأتي له بصفة من الصفات العربية، فقال بعضهم من التوراة : إنها " الوَرْى " ـ بسكون الراء ـ وكان الناس قديماً يشعلون النار بضرب عود في عود آخر، ويقولون : الزند قد ورى "، أي قد خرجت ناره. وقال بعض العلماء أيضا : إن الإنجيل من " النجْل "، وهو الزيادة.
وأقول لهؤلاء العلماء : لقد نظرتم إلى هذه الألفاظ على أنها ألفاظ عربية، لكن التوراة لفظ عبري، والإنجيل لفظ سرياني أو لفظ يوناني، وصارت تلك الكلمات علما على تلك الكتب وجاءت إلى لغتنا. ولا تظنوا أن القرآن مادام قد نزل عربياً فكل ألفاظه عربية، لا. صحيح أن القرآن عربي، وصحيح أيضا أنه قد جاء وهذه الألفاظ دائرة على لسان العرب، وإذا تم النطق بها يُفهم معناها.
والمثال على ذلك أننا في العصر الحديث أدخلنا في اللغة كلمة " بنك " وتكلمنا بها، فأصبحت عربية ؛ لأنها تدور على اللسان العربي، فمعنى أن القرآن عربي أن الله حينما خاطب العرب خاطبهم بألفاظ يفهمونها، وهي دائرة في ألسنتهم، وإن لم تكن في أصلها عربية. وحينما تكلم الحق عن التوراة والإنجيل وقال : إن القرآن جاء مصدقا لهما قال ـ جل شأنه ـ :
﴿ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران : ٤]