فنبهت الآية على أن الإله هو العالم بجميع الأشياء، فلا يخفي عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى عالماً ببعض المغيبات أن يكون إلها، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن عالماً بجميع المعلومات، ونبهت على أن الإله هو ذو القدرة التامة، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى قادراً على الإحياء في بعض الصور أن يكون إلهاً، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن قادراً على تركيب الصور وإحيائها، بل إنباؤه ببعض المغيبات، وخلقه وأحياؤه بعض الصور، إنما كان ذلك بإنباء الله له على سبيل الوحي، وإقداره تعالى له على ذلك، وكلها على سبيل المعجزة التي أجراها، وأمثالها، على أيدي رسله.
وفي ذكر التصوير في الرحم ردّ على من زعم أن عيسى إله، إذ من المعلوم بالضرورة أنه صور في الرحم.
وقيل : في قوله ﴿لا يخفى عليه شيء﴾ تحذير من مخالفته سراً وجهراً، ووعيد بالمجازاة وقيل : المعنى شيء مما يقولونه في أمر عيسى عليه السلام.
وقال الزمخشري : مطلع على كفر من كفر، وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه.
وقال الماتريدي : لا يخفى عليه شيء من الأمور الخفية عن الخلق، فكيف تخفى عليه أعمالكم التي هي ظاهرة عندكم ؟ وكل هذه تخصيصات.
واللفظ عام، فيندرج فيه هذا كله.
وقال الراغب : لا يخفى عليه شيء، أبلغ من : يعلم في الأصل، وإن كان استعمال اللفظين فيه يفيدان معنى واحداً.
وقال محمد بن جعفر بن الزبير، والربيع، في قوله :﴿هو الذي يصوركم﴾ ردّ على أهل الطبيعة، إذ يجعلونها فاعلة مستبدة كيف تشاء.
قال الماتريدي : فيه إبطال قول من يجعل قول القائف حجة في دعوى النسب، لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه، فكيف يعرف القائف أنه صوره من مائه عند قيام التشابه في الصور ؟ انتهى.
والأحسن أن تكون هذه الجمل مستقلة، فتكون الأولى : إخباراً عنه تعالى بالعلم التام، والثانية : إخباراً بالقدرة التامة وبالإرادة.