استئناف ثان يبين شيئا من معنى القيومية، فهو كبدل البعض من الكل، وخص من بين شؤون القيومية تصوير البشر لأنه من أعجب مظاهر القدرة ؛ ولأن فيه تعريضا بالرد على النصارى في اعتقادهم إلهية عيسى من أجل أن الله صوره بكيفية غير معتادة فبين لهم أن الكيفيات العارضة للموجودات كلها من صنع الله وتصويره : سواء المعتاد، وغير المعتاد.
و﴿كَيْفَ﴾ هنا ليس فيها معنى الاستفهام، بل هي دالة على مجرد معنى الكيفية ؛ أي الحالة، فهي هنا مستعملة في أصلها الموضوعة له في اللغة ؛ إذ لا ريب في أن كيف مشتملة على حروف مادة الكيفية، والتكيف، وهو الحالة والهيئة، وإن كان الأكثر في الاستعمال أن تكون اسم استفهام، وليست كيف فعلا ؛ لأنها لا دلالة فيها على الزمان، ولا حرفا لاشتمالها على مادة اشتقاق. وقد تجيء كيف اسم شرط إذا اتصلت بها ما الزائدة وفي كل ذلك لا تفارقها الدلالة على الحالة، ولا يفارقها إيلاء الجملة الفعلية إياها إلا ما شذ من قولهم : كيف أنت. فإذا كانت استفهاما فالجملة بعدها هي المستفهم عنه فتكون معمولة للفعل الذي بعدها، ملتزما تقديمها عليه ؛ لأن للاستفهام الصدارة، وإذا جردت عن الاستفهام كان موقعها من الإعراب على حسب ما يطلبه الكلام الواقعة هي فيه من العوامل كسائر الأسماء.
وأما الجملة التي بعدها حينئذ فالأظهر أن تعتبر مضافا إليها اسم كيف ويعتبر كيف من الأسماء الملازمة للإضافة. وجرى في كلام بعض أهل العربية أن فتحة كيف فتحة بناء.
والأظهر عندي أن فتحة كيف فتحة نصب لزمتها لأنها دائما متصلة بالفعل فهي معمولة له على الحالية أو نحوها، فلملازمة ذلك الفتح إياها أشبهت فتحة البناء.
فكيف في قوله هنا ﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ يعرب مفعولا مطلقا "ليصوركم"، إذ التقدير : حال تصوير يشاؤها كما قاله ابن هشام في قوله تعالى ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ [الفجر : ٦].