البحث الثاني : اللفظ وإن احتمل أن يكون الراؤن هم المشركون، وأن يكون هم المسلمون فأي الاحتمالين أظهر فقيل : إن كون المشرك رائياً أولى، ويدل عليه وجوه الأول : أن تعلق الفعل بالفاعل أشد من تعلقه بالمفعول، فجعل أقرب المذكورين السابقين فاعلاً، وأبعدهما مفعولاً أولى من العكس، وأقرب المذكورين هو قوله ﴿وأخرى كَافِرَةٌ﴾ والثاني : أن مقدمة الآية وهو قوله ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ﴾ خطاب مع الكفار فقراءة نافع بالتاء يكون خطاباً مع أولئك الكفار والمعنى ترون يا مشركي قريش المسلمين مثليهم، فهذه القراءة لا تساعد إلا على كون الرائي مشركاً الثالث : أن الله تعالى جعل هذه الحالة آية الكفار، حيث قال :﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا﴾ فوجب أن تكون هذه الحالة مما يشاهدها الكافر حتى تكون حجة عليه، أما لو كانت هذه الحالة حاصلة للمؤمن لم يصح جعلها حجة الكافر والله أعلم.
واحتج من قال : الراؤن هم المسلمون، وذلك لأن الرائين لو كانوا هم المشركين لزم رؤية ما ليس بموجود وهو محال، ولو كان الراؤن هم المؤمنون لزم أن لا يرى ما هو موجود وهذا ليس بمحال، وكان ذلك أولى والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٦٦ ـ ١٦٧﴾
وقال القرطبى :
قرأ نافع "تَرَوْنَهُم" بالتاء والباقون بالياء.
﴿مِّثْلَيْهِمْ﴾ نصب على الحال من الهاء والميم في "ترونهم".
والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون، والضمير المتصل هو للكفار.
وأنكر أبو عمرو أن يقرأ "ترونهم" بالتاء ؛ قال : ولو كان كذلك لكان مِثليكم.
قال النحاس : وذا لا يلزم، ولكن يجوز أن يكون مِثلى أصحابكم.
قال مكيّ :"تَرَوْنَهُم" بالتاء جرى على الخطاب في ﴿لَكُم﴾ فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين، والهاء والميم للمشركين.


الصفحة التالية
Icon