الثاني : أن يكون الخطاب في " تَرَوْنَهُم " للمؤمنين - أيضاً - والضمير المنصوب في " تَرَوْنَهُمْ " للكافرين - أيضاً - والضمير المجرور في " مِثْلَيْهِمْ " للمؤمنين، والمعنى : تَرَوْنَ أيُّها المؤمنون الكافرين مثلَي عدد أنفسكم، وهذا تقليلٌ للكافرين عند المؤمنين في رأي العينِ ؛ وذلك أن الكفار كانوا ألفاً ونَيِّفاً، والمسلمون على الثلث منهم، فأراهم إياهم مِثْلَيْهم، على ما قرر عليهم - في مقاومة الواحدِ للاثنين - في قوله تعالى :﴿فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مائة صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] بعدما كُلِّفوا أن يقاوم كلُّ واحد عشرة في قوله تعالى :﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مائة يغلبوا أَلْفاً مِّنَ الذين كَفَرُواْ﴾ [ الأنفال : ٦٥ ].
قال الزمخشريُّ - رحمه الله - " وقراءة نافع لا تُساعِد عليه "، يعني على هذا التأويل المذكور ولم يُبين وجه عدم المساعدةِ، ووجهه - والله أعلم - أنه كان ينبغي أن يكون التركيبُ : ترونهم مثليكم - بالخطاب في " مِثْلَيهم " لا بالغيبة.
قال أبو عبدِ الله الفارسيّ - بعد الذي ذكره الزمخشريّ- :" قلت : بل يُساعد عليه، إن كان الخطاب في الآية للمسلمين، وقد قيل ذلك " اه، فلم يأت أبو عبد الله بجواب ؛ إذ الإشكالُ باقٍ. وقد أجاب بعضهم عن ذلك بجوابين :
أحدهما : أنه من باب الالتفاتِ من الخطاب إلى الغيبة، وأنَّ حقَّ الكلام : مثلَيْكم - بالخطاب - إلا أنه التفت إلى الغيبة، ونظَّره بقوله تعالى :﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [ يونس : ٢٢ ].
والثاني : أن الضمير في " مِثْلَيْهِمْ " وإن كان المراد به المؤمنين إلا أنه عاد على قوله :﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله﴾، والفئة المقاتلة في سبيل الله عبارة عن المؤمنين المخاطبين.