والقول الثاني : قول قوم آخرين من المعتزلة وهو أن المزين لهذه الأشياء هو الله واحتجوا عليه بوجوه أحدها : أنه تعالى كما رغب في منافع الآخر فقد خلق ملاذ الدنيا وأباحها لعبيده، وإباحتها للعبيد تزيين لها، فإنه تعالى إذا خلق الشهوة والمشتهى، وخلق للمشتهي علماً بما في تناول المشتهى من اللذة، ثم أباح له ذلك التناول كان تعالى مزيناً لها وثانيها : أن الانتفاع بهذه المشتهيات وسائل إلى منافع الآخرة، والله تعالى قد ندب إليها، فكان مزيناً لها، وإنما قلنا : إن الانتفاع بها وسائل إلى ثواب الآخرة لوجوه الأول : أن يتصدق بها والثاني : أن يتقوى بها على طاعة الله تعالى والثالث : أنه إذا انتفع بها وعلم أن تلك المنافع إنما تيسرت بتخليق الله تعالى وإعانته صار ذلك سبباً لاشتغال العبد بالشكر العظيم، ولذلك كان الصاحب ابن عباد يقول : شرب الماء البارد في الصيف يستخرج الحمد من أقصى القلب وذكر شعراً هذا معناه والرابع : أن القادر على التمتع بهذه اللذات والطيبات إذا تركها واشتغل بالعبودية وتحمل ما فيها من المشقة كان أكثر ثواباً، فثبت بهذه الوجوه أن الانتفاع بهذه الطيبات وسائل إلى ثواب الآخر والخامس : قوله تعالى :﴿هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً﴾ [ البقرة : ٢٩ ] وقال :﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق﴾ [ الأعراف : ٣٢ ] وقال :﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا﴾ [ الكهف : ٧ ] وقال :﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ [ الأعراف : ٣١ ] وقال في سورة البقرة ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ﴾ [ البقرة : ٢٢ ] وقال ﴿كُلُواْ مِمَّا فِى الأرض حلالا طَيّباً﴾ [ البقرة : ١٦٨ ] وكل ذلك يدل على أن التزيين من الله تعالى، ومما يؤكد ذلك قراءة مجاهد ﴿زُيّنَ لِلنَّاسِ﴾ على تسمية الفاعل.


الصفحة التالية
Icon