قال المتكلمون : الثواب له ركنان أحدهما : المنفعة، وهي التي ذكرناها، والثاني : التعظيم، وهو المراد بالرضوان، وذلك لأن معرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم، حامد لهم، مثن عليهم، أزيد في إيجاب السرور من تلك المنافع، وأما الحكماء فإنهم قالوا : الجنّات بما فيها إشارة إلى الجنة الجسمانية، والرضوان فهو إشارة إلى الجنة الروحانية وأعلى المقامات إنما هو الجنة الروحانية، وهو عبارة عن تجلي نور جلال الله تعالى في روح العبد واستغراق العبد في معرفته، ثم يصير في أول هذه المقامات راضياً عن الله تعالى، وفي آخرها مرضياً عند الله تعالى، والله الإشارة بقوله ﴿رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ [ الفجر : ٢٨ ] ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا ومساكن طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ورضوان مّنَ الله أكْبَرُ ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ [ التوبة : ٧٢ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٧٤﴾
وقال أبو حيان :
﴿ورضوان من الله﴾ بدأ أولاً بذكر المقر، وهو الجنات التي قال فيها ﴿وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين﴾ " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ثم انتقل من ذكرها إلى ذكر ما يحصل به الأنس التامّ من الأزواج المطهرة، ثم انتقل من ذلك إلى ما هو أعظم الأشياء وهو رضا الله عنهم، فحصل بمجموع ذلك اللذة الجسمانية والفرح الروحاني، حيث علم برضا الله عنه، كما جاء في الحديث أنه تعالى :" يسأل أهل الجنة هل رضيتم ؟ فيقولون : ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا "


الصفحة التالية
Icon