أما قوله تعالى :﴿والذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ فالمعنى : والذين من قبلهم من مكذبي الرسل، وقوله ﴿كَذَّبُواْ بئاياتنا﴾ المراد بالآيات المعجزات ومتى كذبوا بها فقد كذبوا لا محالة بالأنبياء.
ثم قال :﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ وإنما استعمل فيه الأخذ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على التخلص.
ثم قال :﴿والله شَدِيدُ العقاب﴾ وهو ظاهر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٦١ ـ ١٦٢﴾
وقال القرطبى :
اختلفوا في الكاف ؛ فقيل : هي في موضع رفع تقديره دَأْبُهم كدَأْب آل فرعون، أي صنيع الكفّار معك كصنيع آل فرعون مع موسى.
وزعم الفرّاء أن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون.
قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصِّلة.
وقيل : هي متعلقة بـ ﴿أَخَذَهُمُ الله﴾، أي أخذ آل فرعون.
وقيل : هي متعلقة بقوله ﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم﴾ أي لم تُغْنِ عنهم غَنَاء كما لم تُغن الأموال والأولاد عن آل فرعون.
وهذا جواب لمن تخلّف عن الجهاد وقال : شغلتنا أموالنا وأهلونا.
ويصح أن يعمل فيه فعلٌ مقدّر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق.
ويؤيد هذا المعنى ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سواء العذاب﴾ ﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب﴾ [ غافر : ٤٥، ٤٦ ].
والقول الأوّل أرجح، واختاره غير واحد من العلماء.
قال ابن عرفة :﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أي كعادة آل فرعون.
يقول : اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبيّ ﷺ كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء ؛ وقال معناه الأزهريّ.
فأمّا قوله في سورة ( الأنفال ) ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [ الأنفال : ٥٢ ] فالمعنى جُوزِي هؤلاء بالقتل والأسر كما جُوزِي آل فرعون بالغرق والهلاك.


الصفحة التالية
Icon