ومما احتجوا به في هذا الموضع خاصة قوله تعالى :﴿فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ [ الصف : ٥ ] وهو صريح في أن ابتداء الزيغ منهم، وأما تأويلاتهم في هذه الآية فمن وجوه الأول : وهو الذي قاله الجبائي واختاره القاضي : أن المراد بقوله ﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ يعني لا تمنعها الألطاف التي معها يستمر قلبهم على صفة الإيمان، وذلك لأنه تعالى لما منعهم ألطافه عند استحقاقهم منع ذلك جاز أن يقال : أزاغهم ويدل على هذا قوله تعالى :﴿فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ [ الصف : ٥ ] والثاني : قال الأصم : لا تبلنا ببلوى تزيغ عندها قلوبنا فهو كقوله ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دياركم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ﴾ [ النساء : ٦٦ ] وقال :﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ﴾ [ الزخرف : ٣٣ ] والمعنى لا تكلفنا من العبادات ما لا نأمن معه الزيغ، وقد يقول القائل : لا تحملني على إيذائك أي لا تفعل ما أصير عنده مؤذياً لك الثالث : قال الكعبي ﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ أي لا تسمنا باسم الزائغ، كما يقال : فلان يكفر فلاناً إذا سماه كافراً، والرابع : قال الجبائي : أي لا تزغ قلوبنا عن جنتك وثوابك بعد إذ هديتنا ؛ وهذا قريب من الوجه الأول إلا أن يحمل على شيء آخر، وهو أنه تعالى إذا علم أنه مؤمن في الحال، وعلم أنه لو بقي إلى السنة الثانية لكفر، فقوله ﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ محمول على أن يميته قبل أن يصير كافراً، وذلك لأن إبقاءه حياً إلى السنة الثانية يجري مجرى ما إذا أزاغه عن طريق الجنة الخامس : قال الأصم ﴿لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ عن كمال العقل بالجنون بعد إذ هديتنا بنور العقل السادس : قال أبو مسلم : احرسنا من الشيطان ومن شرور أنفسنا حتى لا نزيغ، فهذا جمل ما ذكروه في تأويل هذه الآية وهي بأسرها ضعيفة.