أما الأول : فلأن من مذهبم أن كل ما صحّ في قدرة الله تعالى أن يفعل في حقهم لطفاً وجب عليه ذلك وجوباً لو تركه لبطلت إلهيته، ولصار جاهلاً ومحتاجاً والشيء الذي يكون كذلك فأي حاجة إلى الدعاء في طلبه بل هذا القول يستمر على قول بشر بن المعتمر وأصحابه الذين لا يوجبون على الله فعل جميع الألطاف.
وأما الثاني : فضعيف، لأن التشديد في التكليف إن علم الله تعالى له أثراً في حمل المكلف على القبيح قبح من الله تعالى، وإن علم الله تعالى أنه لا أثر له ألبتة في حمل المكلف على فعل القبيح كان وجوده كعدمه فيما يرجع إلى كون العبد مطيعاً وعاصياً، فلا فائدة في صرف الدعاء إليه.
وأما الثالث : فهو أن التسمية بالزيغ والكفر دائر مع الكفر وجوداً وعدماً والكفر والزيغ باختيار العبد، فلا فائدة في قوله لا تسمنا باسم الزيغ والكفر.
وأما الرابع : فهو أنه لو كان علمه تعالى بأنه يكفر في السنة الثانية، يوجب عليه أن يميته لكان علمه بأن لا يؤمن قط ويكفر طول عمره يوجب عليه لا يخلقه.
وأما الخامس : وهو حمله على إبقاء العقل فضعيف، لأن هذا متعلق بما قال قبل هذه الآية ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [ آل عمران : ٧ ].
وأما السادس : وهو أن الحراسة من الشيطان ومن شرور النفس إن كان مقدوراً وجب فعله، فلا فائدة في الدعاء وإن لم يكن مقدوراً تعذر فعله فلا فائدة في الدعاء، فظهر بما ذكرنا سقوط هذه الوجوه، وأن الحق ما ذهبنا إليه.
فإن قيل : فعلى ذلك القول كيف الكلام في تفسير قوله تعالى :﴿فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ [ الصف : ٥ ].
قلنا : لا يبعد أن يقال إن الله تعالى يزيغهم ابتداء فعند ذلك يزيغون، ثم يترتب على هذا الزيغ إزاغة أخرى سوى الأولى من الله تعالى وكل ذلك لا منافاة فيه.


الصفحة التالية
Icon