الوجه الرابع : في كيفية الاستدلال، ما خطر ببالي أن هذه الآية مناسبة لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً﴾ [ مريم : ٤٢ ] يعني لا تجوز العبادة إلا لمن يكون نافعاً ضاراً، ويكون أمري في يديه، وحكمي في قبضة قدرته، فإن كان كل واحد يعلم أن عيسى ما كان قادراً على هذه الأشياء امتنع في العقل أن أسلم له، وأن انقاد له، وإنما أسلم وجهي للذي منه الخير، والشر، والنفع، والضر، والتدبير، والتقدير. الوجه الخامس : يحتمل أيضاً أن يكون هذا الكلام إشارة إلى طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين﴾ [ البقرة : ١٣١ ] وهذا مروي عن ابن عباس. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٨٣ ـ ١٨٤﴾
قال الآلوسى :
ولعل القول بالإعراض أولى لما فيه من الإشارة إلى سوء حالهم وحط مقدارهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٠٨﴾
قوله تعالى ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ﴾
قال الفخر :
أما قوله ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ﴾ ففيه وجوه
الأول : قال الفرّاء أسلمت وجهي لله، أي أخلصت عملي لله يقال أسلمت الشيء لفلان أي أخلصته له، ولم يشاركه غيره قال : ويعني بالوجه ههنا العمل كقوله ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] أي عبادته، ويقال : هذا وجه الأمر أي خالص الأمر وإذا قصد الرجل غيره لحاجة يقول : وجهت وجهي إليك، ويقال للمنهمك في الشيء الذي لا يرجع عنه : مرّ على وجهه
الثاني : أسلمت وجهي لله أي أسلمت وجه عملي لله، والمعنى أن كل ما يصدر مني من الأعمال فالوجه في الإتيان بها هو عبودية الله تعالى والانقياد لإلهيته وحكمه
الثالث : أسلمت وجهي لله أي أسلمت نفسي لله وليس في العبادة مقام أعلى من إسلام النفس لله فيصير كأنه موقوف على عبادته، عادل عن كل ما سواه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٨٤﴾