فإن تشبثوا بقوله تعالى :﴿ أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٤٤ ] وقوله :﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ [ الصف : ٣ ] ونحوه، قيل لهم : إنما وقع الذمّ ها هنا على ارتكاب ما نهي عنه لا على نهيه عن المنكر.
ولا شك في أن النهي عنه ممن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه، ولذلك يدور في جهنم كما يدور الحمار بالرَّحى، كما بيناه في البقرة عند قوله تعالى ﴿ أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر ﴾ [ البقرة : ٤٤ ]. أ هـ
فصل ثالث
أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أَنّ المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره ؛ فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك.
وإذا أنكر بقلبه فقد أدّى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك.
قال : والأحاديث عن النبي ﷺ في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ولكنها مقيدة بالاستطاعة.
قال الحسن : إنما يُكلَّمُ مؤمن يُرجى أو جاهل يُعلَّم ؛ فأما من وضع سيفه أو سوطه فقال : اتقنى آتقِنى فما لك وله.
وقال ابن مسعود : بحسب المرء إذا رأى منكراً لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.
وروى ابن لَهِيعَة عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ :" "لا يحل لمؤمن أن يُذِلّ نفسه".
قالوا : يا رسول الله وما إذلاله نفسه ؟ قال :"يتعرّض من البلاء لِما لا يقوم له" ".
قلت : وخرّجه ابن ماجه عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن بن جندب عن حذيفة عن النبي ﷺ، وكلاهما قد تُكُلِّمَ فيه.