التَّوْحِيدِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ فِيهَا فِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ طُلَّابِ الْفَلْسَفَةِ ؟ ذَلِكَ بِأَنَّ دَعْوَةَ النَّبِيِّ عَلَى مَا تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ التَّأْيِيدِ الْإِلَهِيِّ وَتَأْثِيرِ رُوحِ الْوَحْيِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَظَاهِرَ بَيَّنَهَا اللهُ - تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [١٦ : ١٢٥] فَالْحِكْمَةُ مَا يُدْعَى بِهِ الْعُقَلَاءُ وَأَهْلُ النَّظَرِ مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْحُجَجِ، وَالْمَوْعِظَةُ مَا يُدْعَى بِهِ الْعَوَامُّ السُّذَّجُ، وَالْجَدَلُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِلْمُتَوَسِّطِينَ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَقُوا إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِطَلَبِ الْحِكْمَةِ وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى الْمَوْعِظَةِ بِسُهُولَةٍ، بَلْ يَبْحَثُونَ بَحْثًا نَاقِصًا، فَلَا بُدَّ مِنَ الْحُسْنَى فِي مُجَادَلَتِهِمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ، وَأَمَّا الْحُكَمَاءُ فَإِنَّ لَهُمْ طَرِيقَةً وَاحِدَةً فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَالْفَضِيلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى طَلَبِ الْعَدْلِ فِي الْأَفْكَارِ وَالْأَخْلَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ مُتَدَيِّنًا وَيَجْرِي فِي الْإِقْنَاعِ بِالدِّينِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُتَدَيِّنٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ مِنَ الْعَقْلِ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُهُ مَعَ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ دَلِيلٌ عَلَى غَمْطِ الْعَقْلِ وَمَقْتِ الْعَدْلِ، وَأَقْبِحْ بِذَلِكَ جُرْمًا وَكَفَى بِهِ إِثْمًا. وَلَمْ يُفَسِّرِ الْأُسْتَاذُ


الصفحة التالية
Icon