الْإِمَامُ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ بِالْحُكَمَاءِ، بَلْ قَالَ : إِنَّ مَرْتَبَةَ هَؤُلَاءِ تَلِي مَرْتَبَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ : إِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - : مِنَ النَّاسِ يُشْعِرُ بِقِلَّتِهِمْ. وَأَقُولُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِيَارِ : إِنَّهُ يُشْعِرُ بِشُمُولِ قَوْلِهِ : الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ لِمَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ عَلَى وَجْهِهَا فَآمَنَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَقَالَ : وَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي هَذَا تَعْظِيمُ شَأْنِ الْحِكْمَةِ وَالْعَدَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَإِرْشَادِ
أَهْلِهِ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي تَلِي مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [٢ : ٢٦٩].
وَقَوْلُهُ : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَحْمِلُونَ مِثْلَهُ عَلَى التَّهَكُّمِ، وَعَدُّوهُ مِنَ الْمَجَازِ بِالِاسْتِعَارَةِ عَلَى مَا فِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ ; لِأَنَّ التَّبْشِيرَ مِنَ الْبِشَارَةِ وَالْبُشْرَى وَهِيَ الْخَبَرُ السَّارُّ تَنْبَسِطُ لَهُ بَشَرَةُ الْوَجْهِ. وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْبَشَرَةِ بِانْبِسَاطٍ أَوِ انْقِبَاضٍ وَكَآبَةٍ، وَلَكِنَّهُ غَلَبَ فِي الْأَوَّلِ، وَهَذَا الْعَذَابُ يُصِيبُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي زَمَنِ الْبَعْثَةِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُشَارِكُونَ مَنْ سَبَقَهُمْ بِمِثْلِ ذُنُوبِهِمْ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَأَيُّ النَّاسِ