قوله :﴿ تُقَاةً ﴾ في نصبها ثلاثة أوجهٍ، وذلك مَبْنِيٌّ على تفسير " تُقَاةً " ما هي ؟
أحدها : أنها منصوبةٌ على المصدرِ، والتقدير : تتقوا منهم اتِّقَاءً، ف " تُقَاة " واقعة موقع الاتقاء، والعرب تأتي بالمصادر نائبة عن بعضها، والأصل : أن تتقوا اتقاءً - نحو تقتدر اقتداراً - ولكنهم أتوا بالمصدر على حذف الزوائدِ، كقوله :
﴿ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ] والأصل إنباتاً.
ومثله قول الشاعر :[ الوافر ]
................................. وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمَائَةَ الرِّتَاعَا
أي : اعطائك، ومن ذلك - أيضاً - قوله :[ الوافر ]
................................. وَلَيْس بِأنْ تَتَبَّعَُ اتِّبَاعَا
وقول الآخر :[ الوافر ]
وَلاَحَ بِجَانِبِ الْجَبَلَيْنِ مِنْهُ... رُكَامٌ يَحْفِرُ الأرْضَ احْتِفَارَا
وهذا عكس الآية ؛ إذ جاء المصدرُ مُزَاداً فيه، والفعل الناصب له مُجَرَّد من تلك الزوائدِ، ومن مجيء المصدر على غير المصدر قوله تعالى :﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ [ المزمل : ٨ ].
وقول الآخر :[ الرجز أو السريع ]
وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الْحِضْبِ... والأصل : تَطَوِّيَّا، والأصل في " تُقَاةً " وقية مصدر على فُعَل من الوقاية. وقد تقدم تفسير هذه المادة، ثم أبدلت الواوُ تاءً مثل تخمة وتكأة وتجاه، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفاً، فصار اللفظ " تقاة " كما ترى بوزن " فعلة " ومجيء المصدر على " فُعَل " و" فُعَلَة " قليل، نحو : التخمة، والتؤدة، والتهمة والتكأة، وانضم إلى ذلك كونها جاءت على غير المصدر، والكثير مجيء المصادرِ جارية على أفعالها.
قيل : وحسَّن مجيءَ هذا المصدر ثلاثياً كونُ فعله قد حُذِفت زوائده في كثيرٍ من كلامهم، نحو : تقى يتقى.
ومنه قوله :[ الطويل ]
................................. تَقِ اللهَ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو