من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
﴿ تُحِبُّونَ اللهَ ﴾ فرق، و﴿ يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾ جمع.
﴿ تُحِبُّونَ اللهَ ﴾ مشوب بالعلة، و﴿ يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾ بِلا عِلّة، بل هو حقيقة الوصلة. ومحبة العبد لله حالة لطيفة يجدها من نفسه، وتحمله تلك الحالة على موافقة أمره على الرضا دون الكراهية، وتقتضي منه تلك الحالة إيثاره - سبحانه - على كل شيء وعلى كل أحد.
وشرطُ المحبةِ ألا يكون فيها حظٌّ بحال، فَمنْ لم يَفْنَ عن حظوظه بالكلِّية فليس له من المحبة شظيَّة.
ومحبة الحق للعبد إرادته إحسانَه إليه ولطفَه به، وهي إرادةُ فضلٍ مخصوص، وتكون بمعنى ثنائه سبحانه عليه ومدحه له، وتكون بمعنى فضله المخصوص معه، فعلى هذا تكون من صفات فعله.
ويقال شرط المحبة امتحاء كليتك عنك لاستهلاكك في محبوبك، قال قائلهم :
وما الحبُّ حتى تنزف العين بالبكا... وتخرس حتى لا تجيب المناديا
وهذا فرق بين الحبيب والخليل ؛ قال الخليل :﴿ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ].
وقال الحبيبُ :﴿ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾.
فإن كان مُتَّبعُ الخليل " منه " إفضالاً فإن متابعَ الحبيبِ محبوبُ الحقِّ سبحانه، وكفى بذلك قربة وحالاً.
ويقال قطع أطماع الكافة أن يسلم لأحدٍ نفس إلا ومقتداهم وإمامهم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال في هذه الآية إشارة إلى أن المحبة غير معلولة وليست باجتلاب طاعة، أو التجرد عن آفة لأنه قال :﴿ يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ بيَّن أنه يجوز أن يكون عبد له فنون كثيرة ثم يحبُّ اللهَ ويحبُّه الله.


الصفحة التالية
Icon