ومن هاهنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول الله فإنه إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله ﷺ وتصديقه ومتابعته ولهذا قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله تعالى ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم﴾ إلى قوله ﴿أحب إليكم من الله ورسوله﴾ كما قرن طاعته وطاعة رسوله ﷺ في مواضع كثيرة
وقال ﷺ : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقده منه كما يكره أن يلقى في النار
هذه حال السحرة لما سكنت المحبة قلوبهم سمحوا ببذل النفوس وقالوا لفرعون ﴿اقض ما أنت قاض﴾
ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب وهذا هو معنى الحديث الآلهي الذي خرجه البخاري في صحيحه وفيه : ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها
وقد قيل إن في بعض الروايات فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي
والمعنى أن محبة الله إذا استغرق بها القلب واستولت عليه لم تنبعث الجوارح إلا إلى مراضي الرب وصارت النفس حينئذ مطمئنة بارادة مولاها عن مرادها وهواها
يا هذا اعبد الله لمراده منك لا لمرادك منه فمن عبده لمراده منه فهو ممن يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ومتى قويت المعرفة والمحبة لم يرد صاحبها إلا ما يريد مولاه