ومن علامة المحبة كثرة ذكر الحبيب، وهو دليل محبة المولى لعبده وهو من أفضل مننه على خلقه، وفي الخبر أنّ للّه في كل يوم صدقة يمنّ بها على خلقه، وما تصدق على عبد بصدقة أفضل من أن يلهمه ذكره.
وفي حديث سفيان عن مالك بن معول قيل : يارسول اللّه، أي الأعمال أفضل ؟ قال : اجتناب المحارم، ولا يزال فوك رطباً من ذكر اللّه، وقد أمر النبي ﷺ بكثرة الذكر للّه كما أمر بمحبة اللّه، لأن الذكر مقتضى المحبة فقال : أكثر من ذكر اللّه حتى يقول الناس إنك مجنون، وقد روينا : أكثروا من ذكر اللّه حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون، وفي حديث أبي سلمة المدني عن أبيه عن جده : أتانا رسول اللّه ﷺ ذات يوم إلى مسجد قباء، فذكر حديثاً فيه طول قال في آخر : من تواضع للّه رفعه ومن تكبر وضعه، ومن أكثر ذكر اللّه أحبه اللّه، وقد أخبر أنّ الذاكرين هم السابقون المفردون، ورفعهم إلى مقام النبوّة في وضع الوزر، ورفع الذكر إن كان الذكر موجب الحبّ في قوله : سيروا سبق المفردون، قيل : مَنْ المفردون ؟ قال : المستهترون بذكر اللّه، وضع الذكر عنهم أوزارهم يردون القيامة خفافاً، ومن أعلام المحبة : حبّ لقاء الحبيب على العيان، والكشف في دار السلام ومحل القرب وهو الاشتياق إلى الموت، لأنه مفتاح اللقاء وباب الدخول إلى المعاينة، وفي الحديث : من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، وقال حذيفة عند الموت : حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، وقال بعض السلف ما من خصلة أحبّ إلى اللّه تكون فيّ لعبد بعد حبّ لقائه من كثرة السجود، فقدم حبّ لقاء اللّه وقد شرط اللّه لحقيقة الصدق القتل في سبيله، وأخبر أنه يحب قتل محبوبه في قوله تعالى :(إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقَاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفّاً كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) الصف : ٤، بعد قوله تقريراً لهم : لِمَ تقولون ما لا تفعلون ؟ حيث قالوا : إنّا نحبّ اللّه، فجعل القتل محنة محبته وعلامة أخذ مال محبوبه ونفسه، إذ يقول تعالى :(يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) التوبة : ١١١، وفي وصية أبي بكر لعمر رضي اللّه عنهما : الحق ثقيل وهو مع ثقله مريء، والباطل خفيف


الصفحة التالية
Icon