وهو مع خفته وبيء ؛ فإن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحبّ إليك من الموت وهو مدرك، وإن ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ولن تعجزه، وكان الثوري وبشر بن الحرث يقولان : لا يكره الموت إلا مريب، وهو كما قالا : لأن الحبيب على كل حال لا يكره لقاء الحبيب، وهذا لا يجده إلا عبد يحبّ اللّه بكل قلبه، عندها يشتاق إليه مولاه فينزعج القلب لشوق الغيب، فيحبّ لقاءه، وروي أنّ أبا حذيفة بن عتبة بن زمعة لما تبنى سالماً مولاه، عاتبته قريش في ذلك وقالوا : أنكحت عقيلة من عقائل قريش بمولى فقال : واللّه، لقد أنكحته إياها وأني لأعلم أنه خير منها، فكان قوله أشد عليهم قالوا : وكيف ؟ وهي أختك وهو مولاك فقال : سمعت رسول اللّه ﷺ يقول : من أراد أن ينظر إلى رجل يحب اللّه بكل قلبه فلينظر إلى سالم، فمن الدليل أنّ من المؤمنين من يحبّ اللّه ببعض قلبه فيؤثره بعض الإيثار، ويوجد فيه محبة الاعتبار، ومنهم من يحبه بكل قلبه فيؤثره على ما سواه، فهذا عابده ومألوهه الذي لا معبود له ولا إله إياه، وفيه دليل على أنهم على مقامات المحبة عن معاني مشاهدات الصفات ما بين البعض في القلوب والكلية، وقد كان نعيمان يؤتي به رسوله اللّه ﷺ فيجده في معصية يرتكبها إلى أن أتى به يوماً فحده فلعنه رجل وقال : ما أكثر ما يؤتى به رسول اللّه ﷺ فقال رسول اللّه ﷺ : لا تفتعل فإنّه يحب اللّه ورسوله، فلم يخرجه من المحبة مع المخالفة. أ هـ ﴿قوت القلوب صـ ٤٤٥ ـ ٤٤٧﴾