لطيفة :
سئل الحارث المحاسبى رحمه الله :
ما علامة محبة الله للعبد ؟ - فقال للسائل : ما الذي كشف لك عن طلب علم هذا ؟ فقال : قوله تعالى :" إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ". " آل عمران ٣١ ". فعلمت أن علامة محبة الله اتباع رسوله. ثم قال :" يحببكم الله ". فما علامة محبة الله للعبد ؟ فقال : لقد سألت عن شيء غاب عن أكثر القلوب، إن علامة محبة الله للعبد أن يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها، ففي الهموم التي لا تعترض عليها حوادث القواطع، ولا تشير إلى التوقف لأن الله هو المتولي لها، فأخلاقه على السماحة، وجوارحه على الموافقة، يصرخ به ويحثه بالتهدد والزجر، فقال السائل : وما الدليل على ذلك ؟ فقال : خبر النبي ﷺ :" إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قلبه، يأمره وينهاه "، فقال السائل : زدني من علامة محبة الله للعبد. قال : ليس شيء أحب إلى الله من أداء الفرائض بما دعة من القلب والجوارح، والمحافظة عليها، ثم بعد ذلك كثرة النوافل كما قال النبي ﷺ : يقول الله تعالى : ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته " فقال السائل : رحمك الله، صف لي من علامات وجود قلبه. قال : محبوسة يا فتى في سر الملاطفة، مخصوصة بعلم المكاشفة، مقلبة بتنعم النظر في مشاهدة الغيب، وحجاب العز، ورفعة المنعة، فهي القلوب التي أسرت أوهامها بعجب نفاذ اتقان الصنع، فعندها تصاعدت المنى، وتواترت على جوارحها فوائد الغنى، فانقطعت النفوس عن كل ميل إلى راحة، وانزعجت الهموم وفرت من الرفاهة، فنعمت بسرائر الهداية وعلمت طرق الولاية، وغذيت من لطيف الكفاية وأرسلت في روضة البصيرة، وأحلت القلوب محلاً نظرت فيه بلا عيان، وجالت بلا مشاهدة، وخوطبت بلا مشافهة. فهذا يا فتى صفة أهل


الصفحة التالية
Icon