محبة الله من أهل المراقبة والحياء والرضا والتوكل. فهم الأبرار من العمال، وهم الزهاد من العلماء، وهم الحكماء من النجباء، وهم المسارعون من الأبرار، وهم دعاة الليل والنهار، وهم أصحاب صفاء التذكار وأصحاب الفكر والاعتبار، وأصحاب المحن والاختبار. هم قوم أسعدهم الله بطاعته وحفظهم برعايته، وتولاهم بسياسته، فلم تشتد لهم همة، ولم تسقط لهم إرادة. همومهم في الجد والطلب، وأرواحهم في النجاة والهرب، يستقلون الكثير من أعمالهم، ويستكثرون القليل من نعم الله عليهم، إن أنعم عليهم شكروا، وإن منعوا صبروا، يكاد يهيج منهم صراخ إلى مواطن الخلوات، ومعابر العبر والآيات، فالحسرات في قلوبهم تتردد، وخوف الفراق في قلوبهم يتوقد، نعم يا فتى، هؤلاء قوم أذاقهم الله طعم محبته، ونعمهم بدوام العذوبة في مناجاته، فقطعهم ذلك عن الشهوات، وجانبوا اللذات، وداموا في خدمة من له الأرض والسموات، فقد اعتقدوا الرضا قبل وقوع البلا، ومنقطعين عن إشارة النفوس، منكرين للجهل المأسوس، طاب عيشهم ودام نعيمهم، فعيشهم سليم، وغناهم في قلوبهم مقيم، كأنهم نظروا بأبصار القلوب إلى حجب الغيوب، فقطعوا وكان الله المنى والمطلوب، دعاهم إليه فأجابوه بالحث والجد ودوام السير، فلم تقم لهم أشغال إذ استبقوا دعوة الجبار، فعندها يا فتى غابت عن قلوبهم أسباب الفتنة بدواهيها، وظهرت أسباب المعرفة بما فيها، فصار مطيتهم إليه الرغبة، وسائقهم الرهبة، وحاديهم الشوق، حتى أدخلهم في رق عبوديته، فليس تلحقهم فترة في نية، ولا وهن في عزم، ولا ضعف في حزم، ولا تأويل في رخصة، ولا ميل إلى دواعي غرة. قال السائل : أرى هذا مراداً بالمحبة. قال : نعم يا فتى، هذه صفة المرادين بالمحبة. فقال : كيف المحن على هؤلاء ؟ فقال : سهلة في علمها، صعبة في اختبارها، فمنحهم على قدر قوة إيمانهم. قال : فمن أشدهم محناً ؟ قال : أكثرهم معرفة وأقواهم يقيناً وأكملهم إيماناً. كما جاء في الخبر :" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ". أ هـ ﴿حلية الأولياء حـ ١٠ صـ ٩٩ ـ ١٠١﴾


الصفحة التالية
Icon