وعن عمرو بن عون " أن رسول الله ﷺ لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله ﷺ، يخبره ﷺ، فأخذ المعول من سلمان فضربها ﷺ ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها كالمصباح في جوف بيت مظلم، وكبر ﷺ وكبر المسلمون وقال ﷺ : أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال ﷺ : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب ﷺ الثالثة فقال : أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا. فقال المنافقون : ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا " فنزلت. وقال الحسن : إن الله تعالى أمر نبيه أنيسأله أن يعطيه ملك فارس والروم ويرد ذل العرب عليهما. وأمره بذلك دليل على أن يستجيب له ﷺ هذا الدعاء وهكذا منازل الأنبياء إذا أمروا بدعاء استجيب دعاؤهم. ﴿ مالك الملك ﴾ أي تملك جنس الملاك فيتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون، وفيه أن قدرة الخلق في كل ما يقدرون عليه ليست إلا بأقدار الله تعالى. ثم لما بين كونه مالك الملك وأنه هو الذي يقدر كل قادر على مقدوره ويملك كل مالك على مملوكه فصل ذلك بقوله :﴿ تؤتى الملك من تشاء ﴾ أي النصيب الذي قسمت له واقتضته حكمتك. فالأول عام شامل والآخر بعض من الكل. وهذا الملك قيل : ملك النبوة لأنها أعظم مراتب الملك لأن العلماء لهم أمر على بواطن الخلق، والجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلق. والأنبياء أمرهم نافذ في البواطن والظواهر، فعلى كل أحد أن يقبل