قوله تعالى ﴿مِن دُونِ المؤمنين﴾
قال الفخر :
قوله ﴿مِن دُونِ المؤمنين﴾ أي من غير المؤمنين كقوله ﴿وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله﴾ [ البقرة : ٢٣ ] أي من غير الله، وذلك لأن لفظ دون مختص بالمكان، تقول : زيد جلس دون عمرو أي في مكان أسفل منه، ثم إن من كان مبايناً لغيره في المكان فهو مغاير له فجعل لفظ دون مستعملاً في معنى غير، ثم قال تعالى :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَىْء﴾ وفيه حذف، والمعنى فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية يعني أنه منسلخ من ولاية الله تعالى رأساً، وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي، وموالاة عدوه ضدان قال الشاعر :
تود عدوي ثم تزعم أنني.. صديقك ليس النوك عنك بعازب
ويحتمل أن يكون المعنى : فليس من دين الله في شيء وهذا أبلغ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١١﴾
فائدة
قال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى :﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الآية، هذه الآية الكريمة توهم أن اتخاذ الكفار أولياء إذا لم يكن من دون المؤمنين لا بأس به بدليل قوله ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقد جاءت آيات أخر تدل على منع اتخاذهم أولياء مطلقا كقوله تعالى :﴿وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً﴾، وكقوله :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ..﴾ الآية، والجواب عن هذا : أن قوله ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لا مفهوم له، وقد تقرر في علم الأصول أن دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة له موانع تمنع اعتباره، منها كون تخصيص المنطوق بالذكر لأجل موافقته للواقع كما في هذه الآية ؛ لأنها نزلت في قوم والَوْا اليهود دون المؤمنين، فنزلت ناهية عن الصورة الواقعة من غير قصد التخصيص بها، بل موالاة الكفار حرام مطلقا، والعلم عند الله. أ هـ ﴿دفع إيهام الاضطراب صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾
فائدة
قال القرطبى :
ومعنى ﴿ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ ﴾ أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء ؛ مثل ﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
وحكى سيبويه "هو مِني فرسخين" أي من أصحابي ومعي. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٥٧﴾
قوله تعالى :﴿إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة﴾
فصل
قال الفخر :
قال الحسن أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول الله ﷺ فقال لأحدهما : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم نعم نعم، فقال : أفتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم، وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة، ومحمد رسول قريش، فتركه ودعا الآخر فقال أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم، قال : أفتشهد أني رسول الله ؟ فقال : إني أصم ثلاثا، فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال :" أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئاً له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه.
" واعلم أن نظير هذه الآية قوله تعالى :﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان﴾ [ النحل : ١٠٦ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٢﴾