وقال ابن عطية :
واختلف العلماء في التقية ممن تكون ؟ وبأي شيء تكون ؟ وأي شيء تبيح ؟ فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر، قال مالك رحمه الله : وزوج المرأة قد يكره، وأما بأي شيء تكون التقية ويترتب حكمها فذلك بخوف القتل وبالخوف على الجوارح وبالضرب بالسوط وبسائر التعذيب، فإذا فعل بالإنسان شيء من هذا أو خافه خوفاً متمكناً فهو مكره وله حكم التقية، والسجن إكراه والتقييد إكراه والتهديد والوعيد إكراه وعداوة أهل الجاه الجورة تقية، وهذه كلها بحسب حال المكره وبحسب الشيء الذي يكره عليه، فكم من الناس ليس السجن فيهم بإكراه، وكذلك الرجل العظيم يكره بالسجن والضرب غير المتلف ليكفر فهذا لا تتصور تقيته من جهة عظم الشيء الذي طلب منه، ومسائل الإكراه هي من النوع الذي يدخله فقه الحال، وأما أي شيء تبيح فاتفق العلماء على إباحتها للأقوال باللسان من الكفر وما دونه ومن بيع وهبة وطلاق، وإطلاق القول بهذا كله، ومن مداراة ومصانعة، وقال ابن مسعود : ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلا كنت متكلماً به. واختلف الناس في الأفعال، فقال جماعة من أهل العلم منهم الحسن ومكحول ومسروق : يفعل المكره كل ما حمل عليه مما حرم الله فعله وينجي نفسه بذلك، وقال مسروق : فإن لم يفعل حتى مات دخل النار، وقال كثير من أهل العلم منهم سحنون : بل إن لم يفعل حتى مات فهو مأجور وتركه ذلك المباح أفضل من استعماله، وروي أن عمر بن الخطاب قال في رجل يقال له، نهيت بن الحارث، أخذته الفرس أسيراً، فعرض عليه شرب الخمر وأكل الخنزير وهدد بالنار، فلم يفعل فقذفوه فيها فبلغ ذلك عمر، فقال : وأما كان عليّ نهيت أن يأكل، وقال جمع كثير من العلماء التقية إنما هي مبيحة للأقوال، فأما الأفعال فلا، روي ذلك عن ابن عباس والربيع والضحاك، وروي ذلك عن سحنون وقال


الصفحة التالية
Icon