ولما ذكر هول ذلك اليوم كان كأنه قال : فاتقوه فإن الله يحذركموه ﴿ويحذركم الله﴾ أي الذي له العظمة التي لا يحاط بها ﴿نفسه﴾ فالله سبحانه وتعالى منتقم ممن تعدى طوره ونسي أنه عبد، قال الحرالي : أن تكون لكم أنفس فتجد ما عملت، ويلزمها وطأة هذه المؤاخذة، بل الذي ينبغي أن يبرىء العبد من نفسه تبرئته من أن يكون له إرادة، وأن يلاحظ علم الله وقدرته في كلية ظاهره وباطنه وظاهر الكون وباطنه - انتهى.
ولما كان تكرير التحذير قد ينفر بين أن تحذيره للاستعطاف، فإنه بنصب الأدلة وبعث الدعاة والترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية المسبب عنه سعادة الدارين، فهو من رأفته بالمحذرين فقال بانياً على ما تقديره : ويعدكم الله سبحانه وتعالى فضله ويبشركم به لرأفته بكم :﴿والله﴾ أي والحال أن الذي له وحده الجلال والإكرام ﴿رؤوف بالعباد﴾ قال الحرالي : فكان هذا التحذير الخاتم ابتدائياً، والتحذير السابق انتهائياً، فكان هذا رأفة سابقة، وكان الأول الذي ترتب على الفعل تحذيراً لاحقاً متصلاً بالمصير إلى الله، وهذا الخاتم مبتدأً بالرأفة من الله. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٠ ـ ٦١﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن العمل لا يبقى، ولا يمكن وجدانه يوم القيامة، فلا بد فيه من التأويل وهو من وجهين
الأول : أنه يجد صحائف الأعمال، وهو قوله تعالى :﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] وقال :﴿فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أحصاه الله وَنَسُوهُ﴾ [ المجادلة : ٦ ]
الثاني : أنه يجد جزاء الأعمال وقوله تعالى :﴿مُّحْضَرًا﴾ يحتمل أن يكون المراد أن تلك الصحائف تكون محضرة يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المعنى : أن جزاء العمل يكون محضراً، كقوله ﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا﴾ [ الكهف : ٤٩ ] وعلى كلا الوجهين، فالترغيب والترهيب حاصلان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤ ـ ١٥﴾


الصفحة التالية
Icon