وذهب غيرهما إلى أن المضارعَ هو الجوابُ بنفسه - أيضاً - كالقول قبله، إلا أنه ليس معه فاء مقدرة قالوا : لكن لما كان فعلُ الشرط ماضياً، لا يظهر لأداة الشرط فيه عملٌ ظاهِرٌ استضعفوا أداةَ الشرط، فلم يُعْمِلُوها في الجواب ؛ لضَعْفِها، فالمضارع المرفوع - عند هذا القائل - جواب بنفسه من غير نية تقديم، ولا على إضمار الفاء، وإنما لم يُجْزَم لما ذُكِر، وهذا المذهب والذي قبله ضعيفان.
وتلخص من هذا الذي قلناه - أن رَفْعَ المضارع لا يمنع أن يكون ما قبله شرطاً، لكن امتنع أن يكون " وما عملت " شرطاً لعلة أخرى - لا لكون " تَوَدُّ " مرفوعاً، وذلك على ما تقرَّر من مذهب سيبويه أن النية بالمرفوع التقديم، وأنه - إذ ذاك - دليل على الجواب لا نفس الجواب، فنقول : لما كان " تَوَدُّ " مَنوياً به التقديم أدَّى إلَى تقديم المُضْمَ رعلى ظاهرهِ في غير الأبوابِ المستثناة في العربية، ألا ترى أن الضمير في قوله :" وَبَيْنَه " عائد على اسم الشرط - الذي هو " ما " - فيصير التقدير : تَوَدُّ كلُّ نفسٍ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ما عملت من سوء، فلزم هذا التقدير تقديم المضمر على الظاهر، وذلك لا يجوز.
فإن قلت : لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخَّر عن اسم الشرط وإن كانت نيتُه التقديمَ فقد حصل عَوْدُ الضمير على الاسم الظاهر قَبْلَه، وذلك نظير : ضرب زيداً غلامُه، فالفاعل رُتْبته التقديمُ، ووجب تأخيره لصحة عود الضمير ؟


الصفحة التالية