أحدهما : وهو مذهب سيبويه أنه منصوب على الظرف، وشذ عن سائر أخواته بعد " دَخَلَ " خاصَّةً، يعني أن كل ظرف مكان مختص لا يصل إليه الفعل إلا بواسطة " في " نحو صليت في المحراب - ولا تقول : صليت المحرابَ - ونِمْتُ في السوقِ - ولا تقول : السوقَ - إلا مع دخل خاصة، نحو دخلت السوق والبيت... الخ. وإلا ألفاظاً أخر مذكورة في كتب النحو.
والثاني مذهب الأخفش وهو نَصب ما بعد " دَخَلَ " على المفعول به لا على الظرف فقولك : دخلت البيت، كقولك : هدمت البيت، في نصب كل منهما على المفعول به - وهو قول مرجوح ؛ بدليل أن " دَخَلَ " لو سُلِّطَ على غير الظَّرْفِ المختص وجب وصوله بواسطة " في " تقول : دخلتُ في الأمر - ولا تقول : دخلت الأمر - فدل ذلك على عدم تَعَدِّيه للمفعول به بنفسه.
والجواب : قال أبو عبيدة : هو سَيِّدُ المجالس ومقدَّمها وأشرفها، وكذلك هو من المسجد.
وقال أبو عمرو بن العلاء : هو القصر ؛ لعُلُوِّه وشَرَفِهِ.
وقال الأصمعيُّ : هو الغُرْفَة.
وأنشد لامرئِ القيس :[ الطويل ]
وَمَاذَا عَلَيْهِ أنّ ذَكَرْتَ أو أنِسَا... كَغِزْلاَنِ رَمْلٍ فِي مَحَارِيبِ أقْيَالِ
قالوا معناه : في غرف أقيال. وأنشد غيره - لعُمَرَ بن أبي ربيعة :[ السريع ]
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إذَا ما جِئْتُهَا... لَمْ أدْنُ حَتَّى أرْتَقِي سُلَّما
وقيل : هو المحراب من المسجد المعهود، وهو الأليق بالآية.
وقد ذكرناه عمن تقدم فإنما يَعْنُونَ به : المحراب من حيث هو، وأما في هذه الآية فلا يظهر بينهم خلاف في أنه المحراب المتعارف عليه. واستدل الأصمعيّ على أن المحراب هو الغرفة بقوله تعالى :﴿ إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب ﴾ [ ص : ٢١ ] فوجه الإمالة تقدم الكسرة، ووجه التَّفْخِيم أنه الأصل.
قوله :﴿ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ﴾ " وجد " هذه بمعنى أصاب ولَقِيَ وصَادَفَ، فيتعدى لِواحِدٍ وهو " رِزْقاً " و" عندها " الظاهر أنه ظرف للوجدان.


الصفحة التالية
Icon